الواقعة رهان صناع الدراما للنجاح

الوفد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

من «لام شمسية» إلى «لايرد ولا يستبدل»..

نجوم ونقاد لـ«الوفد»: الجمهور ينجذب للعمل الفنى عندما يعبر عنه

«النقلى»: القصص الحقيقية سبب بقاء أعمال الثمانينيات حتى الآن.. و«السعدنى»: قدمنا تناولاً إنسانياً جريئاً لقضايا المرض وبيع الأعضاء

محمود قاسم: هذه الأعمال تخلق حالة تفاعل واضحة مع الجمهور.. وكريم الشناوى: حياتنا أصعب من الخيال

 

لم تعد الدراما الواقعية مجرد موجة عابرة، بل أصبحت معياراً للنجاح على الشاشة، لأنها تعبر عن رغبة الجمهور فى مشاهدة حكايات تشبهه، وتعبر عن أوجاعه اليومية، وتطرح قضاياه دون تزييف أو مبالغة.

وخلال الفترة الأخيرة، لفتت مجموعة من الأعمال الدرامية الانتباه بسبب طريقة تناولها الإنسانية لقضايا شديدة الحساسية، مثل المرض، والخوف من الفقد، وتفكك العلاقات تحت ضغط الأزمات، وتجارة بيع الأعضاء، وهى موضوعات لم تطرح بوصفها مجرد عناصر درامية مثيرة، بل قدمت من زاوية إنسانية صادقة، تضع المشاهد فى قلب التجربة.

هذا التحول فى التناول الدرامى أعاد الاعتبار لفكرة أن القصة الحقيقية لا تحتاج إلى افتعال، وأن الصراع الإنسانى فى لحظات الضعف أقوى تأثيراً من أى حبكات خيالية، وهو ما يفسر حالة التفاعل الواسع التى صاحبت هذه الأعمال، سواء على مواقع التواصل الاجتماعى أو فى النقاشات النقدية حول مصداقية الطرح وجرأته.

اللافت أن هذا الاتجاه لم يقتصر على عمل واحد، بل جاء متوازياً مع نجاح مسلسلات مثل «لاترد ولا تستبدل» الذى يعرض حالياً و«لام شمسية» و«ولاد الشمس»، واعتمدت على دراما الناس، وقدمت نماذج إنسانية قريبة من الواقع، كشفت كيف يمكن للأزمات أن تعيد تشكيل العلاقات، وتظهر معادن البشر، بين من ينسحب ومن يقرر التضحية.

التناول الواقعى فى هذه الأعمال لم يكتفِ برصد الأزمة، بل تعمد الغوص فى تفاصيلها النفسية والاجتماعية، فصار المرض اختباراً للعلاقات الزوجية، والصداقة مقياساً للوفاء، والأسرة ساحة للصراع بين الأمل واليأس، وهو ما جعل المشاهد شريكاً وجدانياً فى الحكاية، لا مجرد متفرج.

هذا النجاح المتكرر فتح الباب أمام تساؤلات مهمة حول مستقبل الدراما المصرية، ومدى استعداد الكتاب والمنتجين للاستمرار فى هذا المسار، خاصة بعد أن أثبت الجمهور بوضوح أنه ينحاز إلى الصدق، ويكافئ الأعمال التى تحترم وعيه وتقترب من واقعه.

وفى هذا الإطار، تواصلت «الوفد» مع عدد من صناع الدراما والنقاد، من بينهم المخرج الكبير محمد النقلى، والناقد الفنى الدكتور محمود قاسم، ونجوم الأعمال الفنية للحديث عن سر عودة الدراما الواقعية، وأهمية التناول الإنسانى فى بناء عمل فنى قادر على البقاء والتأثير.

المخرج الكبير محمد النقلى
المخرج الكبير محمد النقلى

يرى المخرج الكبير محمد النقلى، أن الدراما لابد أن تكون اجتماعية واقعية، تتناول حياة الأسرة والمجتمع وقضاياه بأسلوب قريب من المشاهد، يعتمد على البناء الدرامى القوى، والشخصيات المركزة والمحورية فى العمل.

وحول أهمية عودة الواقعية المطلقة فى الأعمال الدرامية، يقول محمد النقلى إن الأعمال الدرامية العظيمة والخالدة فى ذاكرة الناس، مبنية فى الأساس على الواقعية التى تمس حياة الناس، وتعبر عن مشاكلهم الحياتية، مشيراً إلى أن الدراما خلال السنوات الماضية، ابتعدت عن واقع حياة المصريين، ولم تتناول أزمة واحدة مما عاشه الناس خلال تلك الفترة.

ويتابع «النقلى» أن من أعظم الأعمال التى أنتجت وعاشت فى وجدان الجمهور، هى تلك التى اعتمدت على الواقعية، وأن ظهور أعمال جديدة واقعية وإنسانية ونفسية فى الوقت الراهن، مؤشر صحى بعد سنوات من الفتور الدرامى، وتقديم أعمال أقرب إلى الخيال المشوه، مؤكداً أن الدراما المصرية تمرض ولا تموت، وأن تصحيح المسار مسألة وقت.

ويضيف أنه بالعودة إلى مسلسلات الثمانينيات والتسعينيات والألفية، سنجد أن قصصها نسيج من بيوتنا وحياتنا، ولم تكن خيالاً غير واقعى يصور البلطجة والإسفاف وخرق العادات والتقاليد على أنها فن راقٍ كما يردد البعض، موضحاً أن المشكلة ليست فى المنتج فقط، بل فى الرقابة التى سمحت بعرض أعمال أضعفت الذوق العام، مقارنة بما كان يحدث سابقاً، حين كان العمل يخضع لرقابة صارمة، ويحذف أى مشهد أو لفظ غير ملائم دون جدل.

وعن غياب الأعمال الدرامية الكبيرة، مثل: الشهد والدموع، وليالى الحلمية، والمال والبنون، والوتد، وزيزينيا، يقول «النقلى» إن السبب يرجع إلى فقدان عدد كبير من كبار كتاب الدراما فى عصرها الذهبى، مثل: أسامة أنور عكاشة، ومصطفى محرم، وبشير الديك، ومحمد جلال عبدالقوى، وهؤلاء صنعوا دراما عاشت فى وجدان الناس حتى اليوم.

وحول دور الدراما الواقعية فى تعديل مسار أخلاقيات المجتمع، بعد سنوات من دراما البلطجة، يقول النقلى لـ«الوفد» إن تصحيح المسار سيستغرق وقتاً طويلاً، لأن الشارع اعتاد هذا النوع من الأعمال، وأن التغيير لن يحدث فى شهور قليلة، بل يحتاج إلى التزام مستمر بأسلوب درامى راق، يخاطب المجتمع ويعزز قيمه الإنسانية.

الناقد محمود قاسم
الناقد محمود قاسم

من جانبه يؤكد الناقد محمود قاسم، أهمية عودة الدراما الواقعية والإنسانية بعد سنوات من الغياب، فى محاولة لاستعادة العصر الذهبى للدراما المصرية، مشيراً إلى أن هذا النوع من الأعمال يدعم الفنانين، وينمى المواهب، ويخلق حالة تفاعل واضحة مع الجمهور.

ويضيف فى تصريح خاص لـ«الوفد»، أن الواقعية هى ما ينشده المشاهد لربط تفاصيل العمل الفنى بالحياة التى نعيشها، موضحاً أن المشاهد قد يرى نفسه أيضاً فى أعمال الفانتازيا والخيال العلمى، شرط أن يكون العمل صادقاً، لأن الواقعية فى جوهرها هى عناصر الصدق الكامنة داخل العمل الفنى.

ويرى قاسم أن الأعمال الخالدة فى ذاكرة الجمهور نجحت، لأنها حملت مآسى إنسانية حقيقية، وبيئات قريبة من الناس، ولغتها قريبة من ألسنتهم، مؤكداً حبه واقع الأحياء الشعبية أكثر من عوالم الأغنياء، وأن حنين من هاجروا من مصر لأماكن طفولتهم، يفسر نجاح أعمال نجيب محفوظ فى تقريب الناس بعضهم من بعض.

قال المخرج كريم الشناوى، مخرج فيلم لام شمسية، إن الأعمال الدرامية التى تنطلق من الواقع الإنسانى الحقيقى تمتلك قدرة أكبر على جذب الجمهور والتأثير فيه، مشيراً إلى أن التحدى الحقيقى لأى مخرج لا يكمن فى الجرأة بقدر ما يكمن فى الصدق وروح العمل نفسه.

e51ca39805.jpg

وأضاف الشناوى، أنه يدخل كل مشروع وهو محاط بحالة طبيعية من القلق والتوتر، قائلاً: «كنت خايف أكيد، ودايماً قلقان من أى مشروع بدخله، وده أمر طبيعى، خاصة لما يكون العمل حساس زى (لام شمسية)، لكنى مؤمن أن مصر بتاريخها وثقافتها قادرة تحتفى بأعمال أقسى وأعمق من كده».

وأوضح أن اختياراته الفنية لا تبنى على مبدأ الجرأة فى حد ذاتها، مؤكداً:«أنا مش بقيس المشاريع بميزان الجرأة، لو المشروع حلو وروحه حلوة بعمله من غير تردد».

وعن ردود فعل الجمهور تجاه الأعمال الواقعية والإنسانية، شدد الشناوى على أن الواقع فى كثير من الأحيان يتجاوز الخيال قسوة وتعقيداً، قائلاً:«أحياناً لما بننقل صورة من الواقع، الجمهور بيحس إننا بنبالغ، لكن الحقيقة إن اللى بيحصل على الأرض أصعب وأعنف من أى خيال درامى».

وعبر أحمد السعدنى عن سعادته بردود الفعل عن مسلسل لا يرد ولا يستبدل مشيراً إلى أن العمل يتناول قضية إنسانية شديدة الحساسية والتعقيد، وهى التبرع بالأعضاء البشرية، كما يسلط الضوء على معاناة مرضى الفشل الكلوى جسدياً ونفسياً، إلى جانب الضغوط المادية، حيث تخضع بطلة العمل ريم، لجلسات غسيل كلوى متكررة، ورغم الإرهاق تواصل حياتها اليومية، وتواجه الضغوط بقوة وصبر، ويروج السعدنى للمسلسل باعتباره أحد أهم أعماله الفنية بسبب موضوعه الجرىء الواقعى.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق