بين "الست" و"حانة الست".. هل اقتبس مراد فيلمه من رواية محمد بركة؟

الوفد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

أصدر الروائي والكاتب الصحفي محمد بركة بيانا صحفيا، حول فيلم "الست"، والذي أكد تقاطع قصته وزاوية تناوله ومشاهده مع روايته "حانة الست" الصادرة منذ 2021، حيث طرح نقاط التشابه بينهما، عبر بيانه، مؤكدا أنه قد أهدى أحمد مراد كاتب سيناريو الفيلم، روايته عند صدورها..، ويقول بركة في بيانه: 
"حول ما أثاره البعض من أن فيلم "الست" الذي يتناول قصة حياة أم كلثوم "يتقاطع" بصورة واضحة - هناك من يراها تدعو للتساؤل وتطرح علامات الاستفهام الحائرة - مع روايتي "حانة الست" والتي صدرت عن دار "أقلام عربية" بالقاهرة عام 2021، أود التأكيد على عدد من النقاط المحددة، بشكل موضوعي ومتجرد، والحكم في النهاية متروك للجميع من النقاد والباحثين والقراء والمتفرجين، كما أنه أيضا متروك للتاريخ..من قبل ومن بعد: 
- جزيل الشكر لكل من شعر بالغيرة على الرواية التي بذلتُ فيها جهدا بحثيا مضنيا حتى أقوم بإبراز الوجه الإنساني الآخر المسكوت عنه في حياة السيدة أم كلثوم، على نحو يجمع بين الواقع والخيال، والذي وثقته بأكثر من 20 مرجعا فيما يتعلق بالجانب التاريخي الواقعي في العمل، على نحو يجعل المتلقي يتعاطف مع "ثومة" ويكتشف جوانب جديدة غير مسبوقة  لعبقريتها ويقترب أكثر من الشق الإنساني الشخصي في مسيرتها، من خلال معايشة رحلتها النفسية الداخلية مع الألم والأمل، على نحو لم يتطرق إليه عمل إبداعي من قبل. والفكرة هنا أن تلك المواقف والمعلومات والمشاهد موجودة في بطون المراجع منذ عشرات السنين، لكن لم يتم تجميعها في سياق درامي إنساني نفسي باطني للمرة الأولى، مع مساحة للخيال والاستبطان الداخلي والتحليل النفسي، إلا من خلال رواية "حانة الست".  
كانت أم كلثوم في الرواية ضحية ظروف مجتمعية قاسية ما يستوجب تعاطفا عميقا معها، ولست مسئولا بأي شكل من الأشكال عن ظهورها بشكل "صادم"  في أي عمل آخر، مهما كان نوعه أو توقيته أو مبرراته.
قام جوهر الرواية على تقديم  سردية مختلفة لحياة أم كلثوم تستهدف إبراز معاناتها وأزماتها الخفية عبر استعادة العديد من الوقائع والمواقف والمشاهد التي لا يعرفها كثيرون، ولم يكن الهدف أبدا تشويه صورة كوكب الشرق أو كسر الهالة المضيئة.  وعلى سبيل المثال لم تتضمن الرواية على الإطلاق أن أم كلثوم مدخنة أو تتحدث بصورة عصبية على الدوام أو تعنَف أفراد فرقتها الموسيقية بقسوة أو تتحدث بطريقة قد يراها البعض "غير لائقة".
-  لا أعرف من صناع العمل بشكل شخصي سوى الأستاذ أحمد مراد  الذي لا يجمعني به إلا كل خير عبر علاقة ودية قائمة على التقدير والاحترام المتبادلين، ولا أنسى دعوته لي التي تشرفت بها أكثر من مرة لحضور فعاليات واحتفاليات، سواء تلك التي تخص توقيع رواياته أو تلك الغنائية الفنية التي تنظمها منصة  I Readالتي يشرف عليها. 
-  فاجأني الأستاذ أحمد باتصال كريم مطول في ساعة مبكرة من صباح أحد الأيام ليشكرني على إهدائي له نسخة من الرواية بمقر عمله ببرنامج "نجوم إف إم" بمدينة الانتاج الإعلامي، وتخلل حديثه إشادة حارة بالرواية، على نحو أخجلني. 
- حين انتشرت الأخبار حول وجود مشروع سينمائي يحمل اسم "الست" ويتناول سيرة أم كلثوم "بشكل غير مألوف" و"يقدم الوجه الآخر لها"، هاتفتُ الأستاذ أحمد لاستجلاء الأمر، حرصا على خيط المودة الذي يجمعنا، وسألته مازحا: "يبدو أن الفيلم مأخوذ عن حانة الست؟"، فأسهب في شرح وجهة نظره والتي لم تكن، للحق، مقنعة لي، لكن بطبيعة الأمر لم يكن أمامي سوى أن أشكره على التوضيح  والانتظار حتى يخرج العمل للنور. 
-  حين ظهر المقطع الترويجي للفيلم "البرومو" هاتفني كثيرون، مؤكدين أن الشريط السينمائي "يتقاطع" مع الرواية بقوة، حتى لا أستخدم التوصيفا الأخرىت التي جاءت على لسانهم، لكني آثرت الانتظار ثم المشاهدة الكاملة أولا بالطبع. ورغم أن الأمر صعب نفسيا، لكني دخلت الفيلم بدون أي تحفز أو تحيزات مسبقة وحاولت، قدر المستطاع، أن أتجرد في مشاهدتي.  
- بعيدا عن التشابه في الاسم بين العملين، ذكر صناع الفيلم نصا أنه "يقدم الوجه الإنساني غير المألوف لدى الجمهور حول السيدة أم كلثوم" وهو ما يتطابق حرفيا مع توجه الرواية، سواء ما سبق إعلانه على لساني في حوارات إعلامية عديدة، أو الذي تنطق به فصول النص، لاسيما العبارة الواردة على لسان أم كلثوم نفسها بشكل متخيل في صفحة 7 : " قل يا قومي آن الآوان أن نحبها بطريقة جديدة عبر اكتشاف إنسانيتها". 
- ذكر صناع الفيلم نصا أنه "يخاطب جيل الشباب بهدف تعريفه على أسطورة أم كلثوم" وهو ما يتطابق حرفيا مع هدف الرواية والذي ذُكر على لسان أم كلثوم نفسها، بشكل متخيل، في صفحة 8 حين قالت وهى تحرّض مؤلف الرواية على كتابة قصة حياتها بشكل جديد قائلة: "لقد تحولتُ إلى تمثال من شمع يقدسه الجميع، هرم من الكريستال ينتصب شامخا على البعد دون أن يجرؤ أحد على الاقتراب منه واختبار ملمسه. وبعد مرور كل هذه السنوات على رحيلي، جاء جيل مختلف، متمرد، لن يحبني إلا إذا رأى ضعفي وتحسس هشاشتي وعاين على الطبيعة إنسانيتي". 
- يركز الفيلم على  شعور أم كلثوم بالوحدة والفراغ رغم نجاحها الساحق كأشهر مطربة صنعت الفارق في تاريخ الموسيقى العربية، وهو تناولته "حانة الست" بالتفصيل، حيث ورد على سبيل المثال في صفحة 209 قولها نصا: " القمة باردة وموحشة، حكم بات ونافذ بالوحدة مدى الحياة، الناس تصبح رقما مخيفا في معادلة العيش، فهم التفاحة التي أشتهيها والأفعى التي أتجنب لدغتها". 
– قدمت الرواية "القصة المحجوبة" لأم كلثوم من خلالها هى نفسها، فهى من تسرد الوقائع بضمير المتكلم على لسانها لتكشف نفسيا عن مناطق من القلق والاضطراب والتوتر، وهو ما يتضح على سبيل المثال في صفحة 8 من النص :"سأهبك خلاصة حكاياتي وعطر مواقفي، وقع قطرات الغضب والحرمان، الغيرة والانتقام، مضافا إليها لعبة الست. سأكون المؤلفة الحقيقية ويكفيك شرفا أن تكون يدي التي أكتب بها". 
من يشاهد الفيلم يدرك بسهولة منذ الدقائق الأولى أن هذه هى نفس الاستراتيجية السردية التي اعتمد عليها الشريط السينمائي. 
-  اعتمد الفيلم أسلوبا سرديا لا يلتزم بترتيب الأحداث كما وقعت في الحقيقة، ويتحرك بحرية نسبية بين الماضي والحاضر، وهو ما سبق أن قدمته الرواية ونصت عليه حرفيا العبارة الافتتاحية المتخيلة لأم كلثوم، صفحة 9، وهى تخاطب المؤلف قائلة: "ستتحرك عبر الزمن  صعودا وهبوطا دون أدنى التزام بترتيب الأحداث". 
-  تطرق الفيلم إلى توتر العلاقة بين أم كلثوم ووالدها الشيخ إبراهيم البلتاجي وكيف أن الأمور بينهما كان ساحة للمد والجزر، لاسيما بعد شهرة وثراء أم كلثوم وكيف أصبحت متمردة على سلطته من وجهة نظره. وأشارت إلى هذه الحقيقة التي تواطأ الجميع على حجبها رغم أن أم كلثوم نفسها سردتها بالتفصيل في حديثها للكاتب محمود عوض في كتابه "أم كلثوم التي لا يعرفها أحد".
الأمثلة كثيرة في هذا السياق ومنها قول ثومة، صفحة 18، "أبي يتعامل مع الرقة باعتبارها رجسا من عمل الشيطان، قد تكون موجودة مثل حبة قمح في الطبقات المنسية من حقول الروح لكن إظهارها يعني أن نودّع رجولتنا إلى الأبد". 
-  تطرق الفيلم أيضا إلى توتر علاقة ثومة مع شقيقها الأصغر خالد، فيما بدا للبعض شيئا غريبا ومفاجئا، في حين أن الرواية تناولت ذلك بالتفصيل في أكثر من موضع مختلف، بل إن "حانة الست" ذهبت إلى مدى أبعد  وأوضحت كيف كان يمارس نوعا من "الوصاية الذكورية" عليها. في صفحة 91 تروي أم كلثوم قائلة:" تساءل والدي: مالكم يا عيال، فأجابه خالد بشماتة متنكرا للحظة الدموع والتضامن التي جمعتنا للمرة الأولى والأخيرة منذ قليل: فلوس أم كلثوم سُرقت يا شيخ إبراهيم!". 
- تطرق الفيلم إلى الأثر النفسي لإصابة أم كلثوم بمرض "جريفز" وتدهور الغدة الدرقية الذي أدى إلى جحوظ العينين ومن ثم ارتداء نظارة سوداء، فضلا عن فرط الحركة وهو ما تناولته الرواية بالتفصيل، على سبيل المثال، في تلك الجملة الحزينة التي تنزف ألما ووردت على لسانها في مفتتح الرواية، صفحة 5، : " تدهورت غدتي الدرقية فصار جفني يليق بساحرة تسكن المقابر."

- قدم الفيلم مساحة ملتبسة في علاقة أم كلثوم بالشاعر أحمد رامي والملحن محمد القصبجي، حيث وظفت بذكاء أنثوي مشاعرهما تجاهها كي يمنحانها أفضل الأعمال، دون أن تبادلهما أي عاطفة سوى التشجيع والمديح كي يستمرا في إفراز جواهر القصائد والموسيقى، وهو ما عبرت عنه الرواية بقوة وجلاء، كما  في صفحة 131 : " في مساء وردي النسمات وتحت قمر يتحرش بأزهار حديقة الأزبكية، وُلدت بداخي أنثى لا تمنح عشاقها شيئا، لكنها تُبقي بداخلهم على خيط الأمل واهنا خافتا، لا يشتد فيحرق ولا ينطفىء فينصرفون".

- تطرقت الرواية لصدام أم كلثوم مع الكاتب المتشدد سيد قطب الذي صنفها بأنها ضمن رموز "العهد البائد" حين كتب مقالات يحرض فيها قادة ثورة يوليو 1952 على التخلص منها هى وموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب بحجة أنهما غنيا للملك فاروق الذي أطاحت به الثورة. تقول أم كلثوم في "حانة الست"، 225، : "لاذ رامي بصمت ثقيل يبعث على الكآبة ثم سألني: ماذا سنفعل يا ست الكل؟ لم أعرف إجابة، كل ما أعرفه أن هذا الكاتب يحمل في عمق عينيه حقدا لو وُزّع على البشر لكفاهم". 
وكان هذا الصدام ضمن المشاهد الدرامية الأساسية للفيلم.

-  تطرق الفيلم إلى التفاوت الطبقي الذي شعرت به أم كلثوم حين حلت ضيفة على قصور وفيلات معارفها وأصدقاءها بعد الشهرة وهو أحد الجوانب النفسية الأساسية التي ركزت عليها الرواية، كما يظهر على سبيل المثال في صفحة 119 حين تقول: " دُعيت إلى أول عشاء في قصر مصطفى عبد الرازق باشا، فغرقت في بحر لا ينتهي من الفضيات والحرير والدانتيل..وهذا الإحساس العارم بالضآلة!". 
- ألمح الفيلم إلى اضطراب وتناقض وتوجس أم كلثوم إزاء قيام ثورة يوليو في أيامها الأولى، وما هو كشفت عنه الرواية بشكل شديد الوضوح في قول ثومة صفحة 220 : "كنت في الإسكندرية حين أيقظتني سيدة لأشاهد رتل الدبابات المتجه لحصار الملك في قصر التين. لم يحدس قلبي خيرا، ليس هناك أسوأ من أن تكون على القمة ثم تتجه الجنازير الثقيلة لتحاصر مقر الحكم".

- كل ما سبق مجرد أمثلة سريعة فقط على حجم ومدى "التقاطع" بين الرواية والفيلم، لأن المقام لا يتسع لـ "الحصر الشامل" لذكر جميع النقاط. 
- أرفض أن يتخذ البعض من بياني هذا منصة للإساءة لصناع الفيلم أو التجريح فيهم أو تصفية أي حسابات قديمة معهم، فقد كان كل هدفي توضيح بعض النقاط الملتبسة ووضع الأمور في نصابها أمام الرأي العام، والحكم متروك في النهاية لمن قرأ الرواية ثم شاهد الفيلم، كما أنه – مرة أخرى – متروك للتاريخ… محـمد بركـة.. كاتب روائي مصري".
يذكر أن محمد بركة، كاتب وروائي وقاص مصري، مواليد 1972، مدينة دمياط. يعمل كاتبا صحفيا بمؤسسة "الأهرام" الصحفية ويقيم في القاهرة منذ أواخر التسعينيات. حاصل على "ليسانس آداب وتربية" من جامعة المنصورة، قسم لغة إنجليزية، كما حصل على " دبلومة خاصة " في الأدب الإنجليزي " من جامعة عين شمس. فاز بجائزة صحيفة " أخبار الأدب" المصرية للقصة القصيرة عام 1994 وكان أصغر المتسابقين سنا في حفل توزيع الجوائز الذي حضره أديب نوبل نجيب محفوظ وخرجت الصحيفة التي كان يرأسها الأديب جمال الغيطاني بمانشيت لافت هو "عشرون كاتبا هديتنا إلى مصر". صدر عمله الأول بعنوان "كوميديا الانسجام"، عام 1999، وهو مجموعة قصصية. يصنفه النقاد ضمن أصوات التجديد في السرد الروائي العربي وغالبا ما تثير نصوصه نقاشا واسع النطاق وتحظى باهتمام نقدي وإعلامي. من أبرز أعماله الروائية "حانة الست"، " عرش على الماء"، " أشباح بروكسل". تُرجمت روايته "الفضيحة الإيطالية" إلى الإنجليزية ويعد الباحث الهندى "ماهتاب عالم" رسالة دكتوراه حول أعماله تحت عنوان "تجليات العلاقة بين الشرق والغرب والأنا والآخر في روايات محمد بركة" بمركز الدراسات العربية والأفريقية بجامعة "جواهر لال نهرو" في العاصمة الهندية دلهى.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق