يُعدّ التأمين ضروريًا للحماية المالية، والمرونة الاقتصادية، والتنمية الشاملة، ومع ذلك، لا تزال فجوات الحماية، أي التكلفة المحتملة لتحقق المخاطر التي لا يغطيها التأمين أو مدخرات التقاعد، قائمة في العديد من المناطق والفئات السكانية، مما يجعل الأفراد والشركات والمجتمعات عرضة لمجموعة متزايدة من المخاطر.
وقد أصدر الاتحاد العالمي لاتحادات التأمين (GFIA) في أكتوبر 2025 تقريرا بعنوان: " Pathways to protection: from challenges to opportunities in insurability”
يسلط التقرير الضوء على الحاجة المُلحة إلى تضافر الجهود لمعالجة الثغرات المتزايدة في الحماية التأمينية على مستوى العالم، ويُبين التقرير أنه على الرغم من الابتكار والاستثمار والجهود الكبيرة التي يبذلها قطاع التأمين، لا يزال العديد من الأفراد والشركات والمجتمعات يفتقرون إلى التغطية التأمينية الكافية.
وتُعرّض هذه "الثغرات في الحماية" المجتمعات لمخاطر متزايدة، تشمل الكوارث الطبيعية، والتهديدات السيبرانية، والتغيرات الديموغرافية، والتقلبات الاقتصادية.
يستكشف هذا التقرير فجوات الحماية من خلال إطار عمل بعنوان "الركائز الأربع": الوعي، وإمكانية الوصول، والقدرة على تحمل التكاليف، والتوافر.
ويستند التقرير إلى مبادرات القطاع وأفضل الممارسات العالمية، بالإضافة إلى وضع توصيات لتسليط الضوء على التحديات والمسارات المحتملة نحو تغطية تأمينية أكثر استدامة.
ويؤكد التقرير أنه على الرغم من سعي شركات التأمين للتكيف والابتكار، إلا أنها لا تستطيع سد ثغرات الحماية بمفردها، ويُشير التقرير إلى أن تهيئة بيئة تنظيمية مناسبة تُمكّن شركات التأمين من تسعير المخاطر بدقة، وتوزيع المنتجات بكفاءة، والمساهمة في تعزيز القدرة على الصمود.
إطار عمل "الركائز الأربع"
تشير فجوة الحماية إلى الفرق بين الخسائر المؤمّنة وغير المؤمّنة، وهي تُظهر مدى قدرة المجتمعات والاقتصادات على الصمود في وجه الكوارث، وتُقلّل فجوة الحماية الكبيرة من قدرة الاقتصادات على التعافي من الكوارث، إذ أن غياب التأمين يصعب من عملية التعافي بالنسبة للشركات والأفراد.
وفقاً لتقرير سيجما الصادر في 1/2025 ، بلغت الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الكوارث في عام 2024 نحو 318 مليار دولار أمريكي، منها 57% غير مؤمّنة، وقد خلّف ذلك فجوة كبيرة في الحماية العالمية بلغت 181 مليار دولار أمريكي
وتؤكد هذه الفجوة الواسعة على استمرار العوائق التي تحول دون حصول الأفراد والشركات على تغطية تأمينية كافية.
وفي هذا السياق، يوفر إطار عمل "الركائز الأربع" منظورًا مفيدًا لتحليل هذه العوائق، ويلعب كل عنصر من هذه العناصر - التوافر، وإمكانية الوصول، والقدرة على تحمل التكاليف، والوعي - دورًا حاسمًا في تحديد إمكانية الوصول إلى التأمين.
أولا: الوعي
يبدأ الوعي بإدراك المخاطر التي يواجهها الفرد وفهم كيف يمكن للتأمين أن يوفر الحماية المالية - وهي خطوة أولى أساسية نحو التفكير في شراء التغطية التأمينية .
التحديات الرئيسية
1- الثقافة المالية
تساهم فجوة المعرفة الحالية بشكل كبير في فجوات الحماية في مختلف الأسواق. وتُعد مبادرات الثقافة المالية وحملات التوعية الموجهة ضرورية لمواجهة هذا التحدي. ويُساهم قطاع التأمين والهيئات التنظيمية في تضييق هذه الفجوة من خلال مبادرات تعليمية مُوجّهة، وحملات توعية رقمية، واستخدام أدوات مدعومة بالذكاء الاصطناعي لتعزيز تفاعل المستهلكين.
2- إدراك المخاطر
هناك بُعد إضافي للوعي يتعلق بتوقعات من يتحمل التكاليف عند وقوع الكوارث. ففي حالة الكوارث الطبيعية، حتى عندما يكون الأفراد على دراية بالمخاطر، قد يفترضون خطأً أن الحكومات ستعوض الخسائر بالكامل، مما يقلل من الحاجة المتصورة للتأمين الخاص. هذا التصور الخاطئ يُضعف الطلب على التغطية ويزيد الضغط المالي طويل الأجل على الحكومات. لذا يمكن لواضعي السياسات أن يلعبوا دورًا حاسمًا في توضيح الأدوار المتميزة للإغاثة الحكومية في حالات الكوارث والتأمين الخاص. ومن الضروري توضيح أنه في حين أن الحكومات قد تقدم خدمات الطوارئ والدعم الإنساني بعد الأزمة، فإن التأمين هو الأداة الأساسية لتغطية أضرار الممتلكات، وانقطاع الأعمال، وتكاليف التعافي على المدى الطويل، وذلك في غضون فترات زمنية قصيرة نسبيًا.
3- الثقة
يمكن لقطاع التأمين بناء الثقة والمساعدة في تعزيز انتشار التأمين من خلال توعية المستهلكين وتثقيفهم. فإذا امتلك المستهلك المعرفة الكافية، سيؤثر ذلك بشكل مباشر على قراراته بشأن شراء التأمين وسيمكنه من اتخاذ خيارات مدروسة، مما يحد من المخاطر. ومع تقديم شرح أكثر تفصيلا، يمكن للمستهلكين إدراك التكاليف والعواقب المرتبطة بقراراتهم.
ويُعدّ تعزيز العلاقات مع كل من المستهلكين والحكومات، مع ترسيخ فهم دور التأمين وحدود الدعم الحكومي، أمرًا ضروريًا لضمان بقاء التأمين أداة موثوقة لإدارة المخاطر ودعم الاستقرار المالي. ويمكن للمبادرات الرامية إلى تحسين الشفافية والتواصل الفعال، أن تُسهم بشكل كبير في بناء هذه الثقة.
ومن أمثلة جهود الدول لتعزيز الوعي والثقافة المالية،:
التمكين من خلال التعليم: دور اتحاد شركات التأمين اليوناني (HAIC) في تعزيز الوعي التأميني
في عام 2024، أطلق اتحاد شركات التأمين اليوناني (HAIC) الحملة الرقمية «لماذا أؤمّن نفسي»، والتي صُممت لرفع مستوى الوعي وتثقيف الجمهور حول فوائد التأمين. وتمحور هذا البرنامج حول إنشاء موقع إلكتروني سهل الاستخدام هو **www.iknow-insurance.gr**، يقدّم محتوى مبسطًا وسهل الوصول إليه حول مجالات التأمين الرئيسية، وهي: تأمين المنازل، وتأمين الأعمال، والتأمين الصحي، وتأمين المعاشات، وتأمين السيارات. وقد استخدمت الحملة مزيجًا استراتيجيًا من الوسائط الرقمية والتقليدية لضمان انتشار واسع وتحقيق تفاعل فعّال مع مختلف شرائح الجمهور.
وإضافة إلى ذلك، أقام اتحاد شركات التأمين اليوناني شراكة مع مؤسسة Junior Achievement Greece لتنفيذ البرنامج التعليمي السنوي «Dream Wisely» منذ عام 2019. وتهدف هذه المبادرة المبتكرة، التي حصلت على موافقة وزارة التعليم إلى تعريف تلاميذ المرحلة الابتدائية بمفاهيم المخاطر والوقاية والتأمين.
ويُقدَّم البرنامج من خلال منصة تعليم إلكتروني تفاعلية (dreamwisely.gr) تتضمن ألعابًا تعليمية تفاعلية، وقد صُمم لمساعدة الطلاب - بدعم من معلميهم - على إدراك أهمية اتخاذ القرارات المسؤولة في السياقين الشخصي والمهني.
ثانياً: إمكانية الوصول Accessibility
يركز مفهوم إمكانية الوصول على سهولة شراء المستهلكين لمنتجات التأمين واستخدامها.
التحديات الرئيسية
1. عمليات التوزيع
تشمل العوائق في هذا المجال تعقيد عمليات تقديم خدمة التأمين، ومحدودية قنوات التوزيع، وعدم كفاية البنية التحتية المالية في بعض المناطق، والعوائق التشريعية - مثل القيود المفروضة على إعادة التأمين عبر الحدود، مما يعيق التعاون بين شركات إعادة التأمين وشركات التأمين المحلية. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون بعض المشاركين في الصناعة أكثر اعتيادًا على الأساليب التقليدية لممارسة الأعمال، مما قد يخلق أحيانًا مقاومة لتبني التقنيات الجديدة. كما أن الاعتماد على الأنظمة القديمة داخل شركات التأمين قد يمثل عقبة عند محاولة تحديث النظم والاستجابة لمتطلبات المستهلكين المتغيرة. و تبدو هذه العوامل واضحة بشكل خاص في الاقتصادات النامية، حيث يمكن أن يؤدي نقص شبكات التوزيع وعدم كفاية البنية التحتية إلى الحد من الوصول إلى منتجات التأمين.
2. البنية التحتية
في المناطق الريفية أو النائية على وجه الخصوص، قد لا تمتد شبكات الوسطاء التقليدية إلى ما وراء المراكز الحضرية الكبيرة، مما يجعل شراء وثيقة تأمين أمرًا صعبًا حتى بالنسبة للمستهلكين الذين يتوافر لديهم الوعي بأهمية التأمين. وفي حال كان الوصول الرقمي محدودًا، فإن عوامل مثل سوء تصميم المنصات الرقمية، أو عدم توافق الأجهزة ، يمكن أن تعقّد عمليات التسجيل والاتصال بتلك المنصات. حتى في المناطق التي تتمتع باتصال رقمي قوي، قد يفضل بعض المشاركين في السوق الطرق التقليدية لممارسة الأعمال، مما قد يجعل الانتقال إلى التقنيات الجديدة أكثر تدريجية.
ولمعالجة بعض هذه التحديات، تعمل شركات التأمين على توسيع نطاق حلول التأمين عبر الهاتف المحمول، وتطوير نماذج التأمين المصغر، والتعاون مع المؤسسات المالية المحلية لتحسين نسبة اختراق السوق. ويوفر صعود التقنيات الرقمية فرصًا جديدة لتجاوز هذه العقبات، ولكنه يتطلب أيضًا دراسة متأنية للأطر التنظيمية وتدابير حماية المستهلك.
ومن أمثلة مبادرات شركات التأمين الناجحة في هذا المجال:
التوسع في إتاحة التأمين في أحياء الفافيلا بالبرازيل:
في البرازيل، تبرز عدة مبادرات مبتكرة، من أهم تلك المبادرات التي تستحق تقديرًا خاصًا لدورها في توسيع نطاق إتاحة التأمين وتعزيز الشمول المالي داخل مجتمعات الفافيلا منخفضة الدخل:
مبادرة MAPFRE na Favela.
في إطار خطة الاستدامة للفترة 2024–2026، أطلقت شركة التأمين MAPFRE مبادرة MAPFRE na Favela، التي تهدف إلى تلبية الاحتياجات الخاصة لصغار رواد الأعمال والسكان من ذوي الدخل المنخفض. وقد طورت الشركة مجموعة من المنتجات المصممة خصيصًا لهذه الفئات، مثل:
• منتج يركز على الرفاه الشخصي ومساعدة الأفراد في تحمل تكلفة الجنازات.
• منتج لدعم استمرارية المشروعات الصغيرة.
• منتج لتغطية المعدات الأساسية.
وتُقدَّم هذه المنتجات عبر قنوات مبسطة وموجهة للمجتمع المحلي. ومن خلال الوصول إلى الأفراد في أماكنهم، تسهم المبادرة في تعزيز سوق تأميني أكثر شمولًا، إلى جانب دعم التنمية الاقتصادية المحلية وتعزيز الحماية الاجتماعية على مستوى القواعد الشعبية.
وتُظهر هذه المبادرة كيف بات قطاع التأمين البرازيلي أكثر انتباهًا لاحتياجات الفئات التي عانت تاريخيًا من نقص الخدمات، من خلال تعزيز المرونة المالية ودعم التنمية المستدامة للمجتمعات الضعيفة.
ثالثاً: القدرة على تحمل التكاليف : Affordability
لا تزال القدرة على تحمل التكاليف مسألة بالغة الأهمية، لا سيما في المناطق عالية المخاطر وبالنسبة للأفراد ذوي الموارد المالية المحدودة. ومع ازدياد حدة المخاطر نتيجةً لـلظواهر الجوية المتطرفة، وتغير المناخ، تصبح الخسائر المالية أكثر تواتراً وشدة، مما يزيد من صعوبة جعل أقساط التأمين في متناول الجميع.
التحديات الرئيسية
1. الضغوط الخارجية
غالبًا ما تكون التكاليف المتزايدة ناتجة عن عوامل خارجية بعيدة عن سيطرة شركات التأمين، مثل:
اضطرابات سلاسل التوريد، والتضخم، وتكاليف التقاضي، وزيادة التعرض للمخاطر.
2. الضرائب
في العديد من الدول، يُعد فرض الضرائب الحكومية على منتجات التأمين أحد التحديات الرئيسية المتعلقة بالقدرة على تحمّل التكاليف. وعادةً ما تُفرض هذه الضرائب كنسبة مئوية من القسط التأميني، ما يعني أن الضريبة على القسط تتناسب مع ارتفاعه أو انخفاضه، والذي يعتمد عادةً على مبادئ التسعير بناءً على المخاطر.
في هذه الحالات، ومع زيادة الأقساط، تشكّل هذه الضرائب عبئًا ماليًا أكبر على حملة الوثائق — لا سيما في حالة التغطيات الإلزامية مثل تأمين السيارات ، مما يؤدي إلى تضخيم التكلفة الإجمالية للتأمين بشكل مصطنع. وتُعد الضرائب ثاني أكبر مكوّن من مكوّنات الأقساط التأمينية بعد المخاطر المرتبطة بالتهديدات أو الأخطار.
وتوضح دراسات الحالة التالية كيفية تعامل صناعة التأمين مع هذه التحديات.
توسيع نطاق التأمين ضد مخاطر المناخ للمزارعين الأفارقة:
كينيا ACRE Africa
تقدم ACRE Africa تأمينًا قائمًا على مؤشر الطقس يتم دمجه ضمن مشتريات البذور والأسمدة، ويتم تفعيله تلقائيًا من خلال مسح رمز معين. ويوفر هذا التأمين البارامتري حماية للمزارعين ضد المخاطر المناخية مثل الجفاف وهطول الأمطار الغزيرة، بالاعتماد على بيانات الأقمار الصناعية في الرصد، وتطبيق «SeeItGrow» لتقييم أضرار المحاصيل. ويُنفذ البرنامج بالتعاون مع شركات التأمين المحلية، وموزعي المدخلات الزراعية، وشركات الاتصالات.
زامبيا – شركة Mayfair للتأمين وشركاؤها
يعمل مشروع التأمين المناخي الشامل في زامبيا على دمج التأمين ضمن حزم المدخلات الزراعية من خلال البرنامج الوطني لدعم مدخلات المزارعين .
يتم دعم الأقساط التأمينية، بينما يتيح التأمين البارامتري صرف تعويضات سريعة في حال وقوع خسائر مرتبطة بالمناخ.
وتحظى هذه المبادرة بدعم شركة Mayfair Insurance Zambia، وشركة Pula Advisors، ومؤسسة ZEP-RE، ومؤسسة التمويل الدولية (IFC)، ومؤسسة FSDZ، ووزارة الزراعة الزامبية.
رابعاً: التوافر Availability
يشير مصطلح "التوافر" إلى وجود منتجات تأمين مناسبة للمخاطر التي يواجهها الأفراد والشركات في بعض المناطق.
التحدي الرئيسي
تزايد وتيرة وشدة المخاطر
قد تصبح بعض المخاطر أكثر صعوبة في التأمين وفق النماذج التقليدية نتيجة زيادة تواتر الأحداث وحدّتها، مما يؤدي إلى محدودية خيارات التغطية في بعض الأسواق. وفي ظل بيئة متغيرة المخاطر والأطر التنظيمية، يصبح من الضروري أن تتمكن شركات التأمين من تحديد المخاطر وتسعيرها بدقة لتجنّب تجاوز الخسائر لحجم الأقساط المحصلة.
وعلى سبيل المثال، قد تمثل الظواهر الجوية المتطرفة ومخاطر الأمن السيبراني مستويات من عدم اليقين أو المخاطر التي تتحدى شهية بعض شركات التأمين لتحمّلها أو قدرتها على توفير التغطية في ظل شروط مستدامة. كما قد تنشأ مشكلات تتعلق بتوافر التغطية نتيجة لبعض الإجراءات الحكومية التي تؤدي إلى كبح الأسعار أو فرض التزامات غير واقعية.
فيما يتعلق بالظواهر الجوية المتطرفة، ارتفع عدد خسائر الكوارث الطبيعية بمعدل متوسط قدره 5% سنويًا على مدى الخمسين عامًا الماضية. ومن حيث القيم المطلقة، زادت متوسطات الخسائر السنوية للكوارث الطبيعية من 126 مليار دولار خلال الفترة من 1990 إلى 1999 إلى 219 مليار دولار خلال الفترة من 2010 إلى 2020. وفي عام 2024، بلغت الخسائر الاقتصادية العالمية الناجمة عن الكوارث الطبيعية نحو 318 مليار دولار.
ولمعالجة هذه التحديات المرتبطة بتوافر التغطية التأمينية، تلجأ صناعة التأمين إلى الاستفادة من سندات الكوارث، وحلول إعادة التأمين، وتحليلات البيانات وتعلم الآلة، وفي بعض الحالات إلى الشراكات بين القطاعين العام والخاص، بما يسهم في الحفاظ على خيارات التغطية أو توسيعها في المناطق عالية المخاطر.
وتشمل بعض أمثلة التعاون الإيجابي ما يلي:
نظام التأمين ضد الزلازل في اليابان: ضمان التغطية للأحداث الكارثية من خلال الشراكة بين القطاعين العام والخاص
تقع اليابان في واحدة من أكثر المناطق الزلزالية والبركانية نشاطًا في العالم، ما يجعلها عرضة لزلازل متكررة. ولمواجهة تحديات التنبؤ بتكرار الزلازل وحجمها، وما قد ينجم عنها من أضرار واسعة النطاق، اعتمدت اليابان في عام 1966 نظامًا مشتركًا للتأمين ضد الزلازل يجمع بين الحكومة والقطاع الخاص.
يوفر هذا النظام تعويضًا عن الأضرار الناجمة عن الزلازل والانفجارات البركانية وموجات تسونامي التي تعقب أيًا من هذه الأحداث، ويشمل التغطية الأضرار الناتجة عن الحريق أو التدمير أو الدفن أو الجرف للمساكن الفردية. وتتولى شركات التأمين الخاصة إصدار وثائق التأمين، بينما تقوم الحكومة بإعادة تأمين الالتزامات الناتجة عنها. وفي حال وقوع زلزال كبير، تُسدَّد مطالبات إعادة التأمين لشركات التأمين، مع وضع حد سنوي أقصى لإجمالي المطالبات تحدده السلطة التشريعية .
ومن خلال تقاسم المخاطر بين القطاعين العام والخاص، يضمن هذا البرنامج توافر التغطية التأمينية حتى في حالات الخسائر الكارثية، بما يسهم في الحفاظ على الاستقرار المالي وإمكانية الوصول إلى التأمين لحملة الوثائق.
التوصيات:
كما ورد في هذا التقرير، تُعدّ التحديات التي تواجه "إمكانية التأمين Insurability" قضية تشغل القائمين على صناعة التأمين على مستوى العالم. ويتطلب معالجة هذه القضية نهجًا حكوميًا شاملًا، إلى جانب مشاركة مختلف القطاعات الاقتصادية، لتمكين شركات التأمين من الابتكار والمساهمة في استراتيجية شاملة للوقاية من المخاطر والتخفيف من آثارها.
ويُعدّ الحفاظ على إمكانية التأمين أمرًا بالغ الأهمية للمرونة الاقتصادية والرفاه الاجتماعي، وهو تحدٍّ معقد يتطلب جهودًا تعاونية من شركات التأمين وصانعي السياسات وغيرهم من أصحاب المصلحة.
في حين أن بعض المخاطر قد لا تكون قابلة للتأمين في ظل الظروف السابقة بسبب تغير الديناميكيات العالمية، فإن قطاع التأمين ملتزم بالتكيف والابتكار لتلبية الاحتياجات المتطورة.
وتوفر "الركائز الأربع" - الوعي، وإمكانية الوصول، والقدرة على تحمل التكاليف، والتوافر - إطارًا مشتركًا لأصحاب المصلحة للعمل معًا على التغلب على عوائق الوصول للتأمين. مع ذلك، يُعد استمرار التعاون والدعم من جانب صانعي السياسات أمرًا ضروريًا لخلق بيئة تُمكّن التأمين من أداء دوره الحيوي في الوفاء بالتزاماته تجاه حاملي وثائق التأمين، ودعم الأمن المالي، وتعزيز القدرة على الصمود.
ويؤكد التقرير أن معالجة فجوات الحماية العالمية تتطلب تعاونًا بين شركات التأمين والحكومات والجهات التنظيمية والمجتمع المدني. ومن خلال تعزيز المرونة، واعتماد التقنيات الحديثة، وتفعيل أطر السياسات الذكية، يمكن لصناعة التأمين أن تستمر في أداء دورها الداعم في حماية الأمن المالي وتعزيز الصمود على مستوى العالم.
ولمعالجة "الركائز الأربع" بفعالية، يقدم هذا التقرير توصيات محددة تتمثل في:
رفع مستوى الوعي Awareness :من خلال حملات التوعية العامة، ومبادرات التثقيف المالي الرقمي، والمشاركة المبكرة في موضوعات مثل المعاشات التقاعدية والمخاطر السيبرانية.
دعم تحسين إمكانية الوصول Accessibility :من خلال تشجيع السياسات التنظيمية الحديثة، وتعزيز الأدوات الرقمية وتصميم المنتجات الشاملة، وتمكين الابتكار من خلال بيئات تجريبية تنظيمية.
o تعزيز القدرة على تحمل التكاليف Affordability من خلال الحفاظ على أسواق التأمين وإعادة التأمين مفتوحة، والسماح بالتسعير القائم على المخاطر، وتحفيز تخفيف المخاطر من خلال إعانات ذكية مبررة اكتوارياً، وسياسات ضريبية موجهة، أو حلول بارامترية.
o ضمان التوافر Availability : من خلال تشجيع الاستثمار في البنية التحتية المرنة، ودعم الشراكات بين القطاعين العام والخاص المصممة بشكل مناسب.
في نهاية المطاف، يتطلب سد ثغرات الحماية جهداً منسقاً بين مختلف الجهات المعنية. ولتحقيق ذلك، تدعو GFIA إلى اتباع نهج استباقي وتعاوني بين شركات التأمين وصناع السياسات والهيئات التنظيمية والمجتمع المدني.
فمن خلال مواءمة ابتكارات القطاع ومبادرات السياسة العامة التكميلية الأخرى ضمن بيئات سياسات تمكينية تحترم الركائز الأساسية لتنظيم التأمين السليم، يمكن معالجة الجوانب الأربعة وتضييق الفجوات.
رأي اتحاد شركات التأمين المصرية:
يتفق الاتحاد مع ما جاء بالتقرير من أهمية الركائز الأربع (الوعي، إمكانية الوصول، إمكانية تحمل تكلفة التأمين، التوافر) لسد ثغرات الحماية التأمينية .
وقد اتخذ الاتحاد على مدار السنوات الماضية خطوات عديدة للعمل على رفع الوعي التأميني بين شرائح المجتمع المختلفة، و توجت تلك الجهود بالحملة الإعلامية التي أطلقها الاتحاد تحت رعاية الهيئة العامة للرقابة المالية و بالتعاون مع صندوق حماية حملة الوثائق. وتستمر تلك الحملة لمدة سنتين وشعارها "أمن الأول مش هتبدأ من الأول"، وهي حملة توعوية قومية موسعة تستهدف نشر الثقافة التأمينية وتعزيز مفاهيم الشمول التأميني اتساقا مع رؤية الدولة المصرية لتحقيق الشمول المالي في المجتمع المصري.
وتستهدف الحملة تعريف المواطنين بدور التأمين كأداة فعالة لإدارة المخاطر، وأهمية قطاع التأمين في حماية الأفراد والممتلكات، ودوره المحوري في دعم الاقتصاد الوطني. وتسعى الحملة إلى إبراز المزايا والخدمات التأمينية المتنوعة التي تقدمها شركات التأمين، سواء على مستوى الأفراد أو الشركات، بما يسهم في رفع مستوى الوعي التأميني لدى مختلف شرائح المجتمع، ويُشجع على الاستفادة من الحلول التأمينية كجزء أساسي من التخطيط المالي والمعيشي.
كما أبرم الاتحاد بروتوكول تعاون مع البريد المصري بهدف تنويع قنوات توزيع التأمين على المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، وكذلك برامج التأمين على الأفراد والأسر.
وفي ملف الشمول التأميني، عمل الاتحاد على دعم جهود الدولة والهيئة العامة للرقابة المالية في توسيع نطاق الوصول بخدمات التأمين إلى الفئات الأقل حظًا، سواء من خلال التوعية بالمنتجات متناهية الصغر أو عبر تشجيع الشركات على تصميم وثائق تأمين تلبي احتياجات المجتمع، وقد أسهمت هذه الجهود في ترسيخ مفهوم “التأمين للجميع” كأحد محاور الشمول المالي.
كما قام الاتحاد بتحديث وثائق التأمين وإصدار تغطيات جديدة تستجيب لاحتياجات السوق المتجددة، وتدعم جهود الشمول التأميني.
كما شارك الاتحاد بفاعلية في المبادرات الوطنية التي أطلقتها الدولة، وعلى رأسها مبادرات التأمين الصحي الشامل، والتأمين على العمالة غير المنتظمة، والتأمين الزراعي، وهو ما يعكس رغبة حقيقية في ربط نشاط القطاع باحتياجات المجتمع وجعل التأمين متاحاً لمحدودي الدخل.


















0 تعليق