لم يكن إعادة افتتاح المتحف الوطني الليبي حدثاً ثقافياً عادياً، بل كان ليلة تاريخية نسجت خيوطها من سحر التاريخ وجمال الفن.
فبعد غياب دام 14 عاماً من الصمت، استعاد طرابلس سحرها النابض بالحيويه في احتفالية مبهرة جعلت الحاضرين يعيشون حلماً وردياً، امتزجت فيه عظمة المكان بسحر الألحان والعروض الاستثنائية.
مسرح للسحر والروحانية
على أنغام موسيقى الأوركستر التي تلامس الروح، وتأخذك في رحلة أشبه بالتحليق في آلة عبر الزمن ، انطلقت فعاليات الافتتاح من داخل قلعة "السراي الحمراء" العريقة. المكان، الذي يضم كنوزاً تاريخية لا تقدر بثمن، تحول إلى مسرح ساحر، حيث تداخلت العروض المبهرة مع الأوركسترا الجميلة التي عزفت سمفونيات امتزجت أصداؤها بتاريخ المكان العريق.
الاحتفال لم يكن مجرد قص شريط، بل كان مهرجاناً حسياً متكاملاً. فقرات متنوعة وساحرة تتابعت على وقع الألحان، من عروض ضوئية تجسدت فيها قصص الحضارات القديمة، إلى رقصات تعبيرية حكت سيرة ليبيا من عصور ما قبل التاريخ إلى الحاضر المزدهر، مما أسر قلوب الحاضرين وأشعرهم بعظمة اللحظة وروح المكان.





عيش التجربة
حرصاً منا على نقل نبض الحدث ياخدكم "الوفد" في جولة مصورة شاملة داخل أروقة المتحف الوطني الليبي، لتشاهدوا عظمة المنحوتات الرومانية، والتمعن في دقة الفسيفساء النادرة، والتعرف على القطع الأثرية البارزة مثل تمثالي "أفروديت" و"برسفوني".

تم بناء مبنى المتحف الحالي في ثمانينيات القرن الماضي، وافتتح للجمهور لأول مرة عام 1988، أُغلق عام 2011 خلال الانتفاضة التي أطاحت بنظام القذافي. وبعد أعمال تجديد واسعة بدأت في 2023، تم إعادة افتتاحه رسمياً مؤخراً.


يضم المتحف مساحة عرض تبلغ 10,000 متر مربع موزعة على أربعة طوابق، ويحتوي على حوالي 10 أقسام ٤٣ قاعة عرض تأخذ الزوار في رحلة عبر الزمن.




تشمل الأقسام الرئيسية ما يلي:
• قسم عصور ما قبل التاريخ: يعرض آثاراً ولقىً من حقب زمنية غامضة تكشف أسرار الحياة القديمة في ليبيا.


• القسم الروماني واليوناني: يضم قطعاً أثرية من الحضارات التي ازدهرت في المدن الليبية القديمة، مثل الفسيفساء والمنحوتات.









• القسم الإسلامي: يعرض مقتنيات تروي قصة العصور الإسلامية في ليبيا.




• قسم التاريخ الطبيعي: يضم نماذج جيولوجية ومتحجرات.





• قسم الزي الوطني الليبي: يعرض نماذج من الأزياء التقليدية.



وهناك العديد من الاقسام الآخر تتناول جغرافيا ليبيا وثقافتها الوطنية ومقتنيات شخصيات تاريخية ومناضلة ، فهناك قاعات افتراضية واقسام للحيوانات اضم قاعات للطيور والاسماك وقاع البحر ، كما هناك قاعات خاصة للأطفال وورش عمل لهم


وتتنوع مقتنيات المتحف بشكل كبير، وتشمل:
• الفسيفساء والجداريات: لوحات فنية رائعة تحكي قصص المدن الليبية القديمة.




• المنحوتات التاريخية: تماثيل نادرة من مختلف العصور، ومن أبرزها تمثال "أفروديت".




• العملات المعدنية: مجموعة واسعة تروي قصة الاقتصاد عبر العصور.
• اللقى الأثرية: قطع من الفخار والمعادن والعاج والخشب تعود لحضارات متعددة.


وتعتبر مومياء وأن موهجاج من أهم العروضات لأنها تبين أن الليبيون القدماء توصلوا الي فن التحنيط في عصور ما قبل التاريخ
• القطع المستردة: يضم المتحف قطعاً أثرية نجحت ليبيا في استردادها من الخارج، مثل تمثال "برسفوني".

رحلة عبر الزمن بنكهة فنية وصوتية
داخل أروقة المتحف، وبين جنبات أقسامه التي أعيد تأهيلها بعناية فائقة، كانت كل قطعة أثرية تحكي قصتها على إيقاع الموسيقى الهادئة التي صاحبت الزوار في رحلتهم.
وهناك جهاز صوتي حساس يرافق الزائر داخل المتحف، يعمل تلقائيا عند الوقوف أمام القطعة فقط اختيار اللغة، ويقدّم شرحا دقيقا بلغتين: العربية والإنجليزية.
يشمل جميع أقسام المتحف، ليمنحك معرفة أعمق وقصة أوضح في كل محطة.





يقدم "القسم الإسلامي" تجربة فريدة تتجاوز حاسة البصر. فإلى جانب المخطوطات النادرة والعملات التاريخية، تم توظيف أحدث التقنيات الصوتية لسماع أجمل وأهم الأصوات العذبة لقراء القرآن الكريم في تاريخ ليبيا يمكن للزائر أن يغوص في جو من السكينة والخشوع وهو يستمع إلى التلاوات الخالدة لشيوخ وقراء عمالقة، مما يضفي بعداً روحانياً عميقاً على الزيارة.
فيما يستقبل قسم العصور الرومانية الزوار على ألحان كلاسيكية بينما كانت عيونهم تتأمل تماثيل "أفروديت" والفسيفساء المبهرة.


كانت ليلة الافتتاح في ١٢ ديسمبر 2025 لحظة ميلاد جديد للمشهد الثقافي الليبي،لقد أثبت هذا الاحتفال الباهر أن المتحف الوطني الليبي ليس مجرد مستودع للآثار، بل هو مكان حي ينبض بالحياة، قادر على دمج التاريخ بالفن المعاصر، وإشعار كل من يزوره بأنه جزء لا يتجزأ من تاريخ عظيم ومستقبل مشرق، لتظل ليلة لا تنسي ستبقى محفورة في ذاكرة طرابلس إلى الأبد وفي قلوب الحاضرين من جميع أنحاء العالم.
















0 تعليق