مطالب بحظر منصات التواصل على خطى ماليزيا وأستراليا
خبير أمن المعلومات: قرار مهم يجب أن تتبعه خطوات أخرى
استشارى نفسى وتربوى: الاستخدام المفرط للشاشات يؤثر على الأطفال ويصيبهم بـ«طيف التوحد»
أولياء أمور يؤكدون: الرقابة الأسرية وحدها لا تكفى
فى الوقت الذى تتزايد فيه النقاشات داخل مصر حول تأثير وسائل التواصل الاجتماعى على الأطفال والمراهقين، تستعد ماليزيا لاتخاذ واحد من أكثر القرارات جرأة وهو: حظر استخدام المنصات الرقمية لمن هم دون 16 عاماً بدءًا من العام المقبل، القرار يفتح الباب أمام تساؤلات عن إمكانية تبنى دول أخرى ومنها مصر قواعد مشابهة بهدف حماية الأجيال الجديدة من أخطار الفضاء الإلكترونى، خاصة وسط تصاعد معدلات التنمر الإلكترونى، وإدمان الشاشة، وضعف الرقابة الأسرية.
مع هذا الانتشار الواسع للأجهزة الرقمية بين الأطفال، تتزايد المخاوف من تأثيراتها النفسية والسلوكية، فى فضاء مفتوح يفتقر للضوابط، حيث تتشابك المخاطر بين التنمر الإلكترونى، والاستدراج الجنسى، والمحتوى غير الملائم، والإدمان المتزايد على الشاشات.
وتطرح التجربة الماليزية نفسها كنموذج للنقاش، حيث يعتمد الأطفال بشكل متزايد على الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، مع محدودية أدوات التحقق من العمر، واعتماد شبه كامل على الرقابة الأسرية وفى ظل ضعف الوعى الرقمى لدى بعض الأسر، يصبح الطفل أكثر عرضة لمخاطر تتجاوز قدرته على الفهم أو المواجهة.
ولذلك عبَّر عدد من أولياء الأمور عن ترحيبهم بأى تشريع أو إجراء يحد من وصول الأطفال إلى مخاطر الفضاء الرقمى، معتبرين أن حماية الأبناء لم تعد مسئولية الأسرة وحدها، وتقول مروة أم لطفلين: أشعر بالقلق دائماً مما يشاهده أطفالى على الهاتف، خاصة الألعاب التى تتضمن عنفاً أو محتوى غير مناسب، فأى قانون يحميهم سيكون مرحباً به.
ويقول محمود والد مراهق: أنا مع أى خطوة تحد من وصول أبنائى لمواقع خطرة أو ألعاب تشجع على سلوكيات سيئة، لأن الرقابة الأسرية وحدها لم تعد كافية.
ويعلق السيد أحمد مدرس قائلاً: القرار الماليزى فكرة جيدة، لأنه يفرض حداً لحماية الأطفال من الفضاء الرقمى، خصوصاً مع انتشار الأجهزة الذكية بين الصغار.
وتضيف ليلى موظفة: أحياناً الأطفال يشاهدون فيديوهات وأفلام كرتون يحتوى على مشاهد عنف أو كلمات غير مناسبة، لذلك فأى خطوة لتنظيم هذه الأمور ستكون مهمة جداً.
الحظر وحده لا يكفى
على الجانب الآخر أكد المهندس عمرو صبحى، خبير أمن المعلومات والتحول الرقمى لـ«الوفد» أن قرار ماليزيا بتقييد استخدام وسائل التواصل الاجتماعى للأطفال دون 16 عاماً، يعد خطوة جريئة ومهمة فى اتجاه تعزيز السلامة الرقمية للأجيال الجديدة، خاصة فى ظل التوسع السريع فى استخدام المنصات الرقمية وتزايد المخاطر المصاحبة لها. وأوضح أن هذا القرار يفتح نقاشاً عالمياً واسعاً حول أفضل السبل لحماية الأطفال فى الفضاء الرقمى، من منظور تقنى وتشريعى متكامل.
وأوضح صبحى أن المخاطر الرقمية التى يتعرض لها الأطفال عبر وسائل التواصل الاجتماعى متعددة ومعقدة، وفى مقدمتها التنمر الإلكترونى (Cyberbullying)، الذى ينعكس بشكل مباشر على الصحة النفسية للأطفال، وقد يؤدى إلى الاكتئاب أو العزلة أو حتى الانتحار فى بعض الحالات. كما أشار إلى خطر الاستدراج الجنسى (Grooming) من قبل مفترسين يستغلون سهولة الوصول والتواصل، فضلاً عن سرقة البيانات الشخصية وما يترتب عليها من سرقة الهوية أو الاحتيال المالى، إلى جانب الابتزاز الإلكترونى (Sextortion)، والتعرض لمحتوى ضار يتضمن العنف أو المواد الإباحية، وكذلك التتبع غير المرغوب فيه الذى يهدد الخصوصية. وأكد أن هذه المخاطر تتفاقم نتيجة نقص الوعى الرقمى لدى الأطفال وميلهم لمشاركة معلوماتهم الشخصية بسهولة.
وفيما يتعلق بإمكانية تطبيق قيود عمرية فعالة على منصات التواصل، أوضح خبير أمن المعلومات أن ذلك ممكن نظرياً، لكن فاعليته تظل محدودة بسبب تحديات تقنية كبيرة، أبرزها صعوبة التحقق الدقيق من عمر المستخدم دون المساس بالخصوصية. وأشار إلى أن معظم المنصات تعتمد حالياً على التصريح الذاتى بالعمر، وهو ما يسهل التحايل عليه عبر استخدام شبكات VPN أو إنشاء حسابات مزيفة. وأضاف أن اللجوء إلى تقنيات متقدمة مثل تحليل الوجه بالذكاء الاصطناعى أو طلب وثائق رسمية يثير مخاوف تتعلق بتسريب البيانات وسرقة الهوية، وقد يؤدى إلى استبعاد بعض الفئات، فضلاً عن أن التنفيذ الفعلى يتطلب تعاوناً دولياً مع المنصات العالمية، ما يجعل الحظر الكامل أمراً صعب التحقيق.
وشدد المهندس عمرو صبحى على أنه فى حال تطبيق نموذج مشابه لقرار ماليزيا فى مصر، فإن الأمر يتطلب بنية تشريعية قوية، تشمل تعديل قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996، وقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، مع إضافة نصوص واضحة تنظم القيود العمرية على المنصات الرقمية. وأوضح أن ذلك يجب أن يتواكب تقنياً مع إنشاء نظام تحقق إلكترونى موحد مثل (eKYC) بدعم حكومى، وبالتنسيق بين الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات ووزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، إلى جانب فرض تراخيص وغرامات على المنصات غير الملتزمة، وبناء بنية تحتية فعالة لمراقبة المحتوى وحماية البيانات وفقاً لقانون حماية البيانات الشخصية، مع إنشاء خطوط مساعدة متخصصة للأطفال وتدريب الجهات المعنية على التعامل مع هذه القضايا.
وأكد صبحى أن الحظر وحده لا يكفى على الإطلاق لحماية الأطفال، بل قد تكون له آثار عكسية فى بعض الأحيان، إذ يمكن التحايل عليه بسهولة ولا يعالج جذور المشكلة. وأوضح أن النهج المتكامل هو الأمثل، لأنه يجمع بين التوعية والتشريع والتقنية، من خلال إطلاق حملات توعوية مكثفة داخل المدارس والأسر لتعزيز ثقافة السلوك الرقمى الآمن، وتوفير أدوات رقابة أبوية فعالة مدمجة فى الأجهزة والتطبيقات، إلى جانب إلزام المنصات بتصميمات أكثر أماناً، تشمل فلاتر افتراضية للمحتوى الضار، وحدوداً زمنية للاستخدام، بما يضمن حماية الأطفال دون حرمانهم من الفوائد التعليمية والاجتماعية للتكنولوجيا.
وفى ختام حديثه، أشار المهندس عمرو صبحى إلى الدور المحورى الذى يمكن أن تلعبه التكنولوجيا والذكاء الاصطناعى فى حماية الأطفال على الإنترنت، موضحاً أن تقنيات الذكاء الاصطناعى قادرة على رصد المحتوى الضار تلقائياً من خلال تحليل النصوص والصور ومقاطع الفيديو، والكشف المبكر عن سلوكيات التنمر أو الاستدراج، وتقدير الفئة العمرية للمستخدمين، وفلترة المحتوى بما يتناسب مع كل مرحلة عمرية، فضلاً عن مراقبة النشاط الرقمى فى الوقت الفعلى لتنبيه أولياء الأمور. لكنه شدد فى الوقت ذاته على ضرورة تطوير هذه التقنيات بمسئولية، مع ضمان عدم انتهاك الخصوصية، ووجود تدخل بشرى للتحقق النهائى، مؤكداً أن الدمج بين الذكاء الاصطناعى، والتوعية المجتمعية، والتشريعات الفعالة هو الطريق الأمثل لبناء بيئة رقمية آمنة ومستدامة للأطفال.
الحماية ضرورة
وترى الدكتورة عبير عبدالله، الاستشارى النفسى والتربوى، أن قرار ماليزيا بتقييد استخدام وسائل التواصل الاجتماعى للأطفال يعكس وعياً حقيقياً بحجم المخاطر النفسية والتربوية التى يتعرض لها النشء عبر الفضاء الرقمى، مؤكدة أن هذا النوع من القرارات لم يعد ترفاً مجتمعياً، بل ضرورة وقائية لحماية الأطفال والمراهقين من محتوى يتجاوز قدرتهم على الفهم والاستيعاب.
وتؤكد الدكتورة عبير أن هناك نوعيات من المحتوى الرقمى كان من الأولى أن تلغى من الأساس، ليس للأطفال فقط، وإنما للكبار أيضاً، وعلى رأسها محتوى «الدارك ويب» والمواقع الإباحية، مشيرة إلى أن خطورة هذه المنصات لا تقتصر على فئة عمرية بعينها، بل تمتد آثارها السلبية إلى المجتمع ككل. وتوضح أن الأخطر على الأطفال تحديداً هو ما يتضمن ألعاب المقامرة والألعاب الإلكترونية التى تحرض على العنف أو الانحراف، أو تقدم محتوى إباحياً بشكل مباشر أو غير مباشر، مؤكدة ضرورة حظر هذه المواقع والألعاب داخل المجتمع.
وتشير إلى أن الأطفال يجب أن يقدم لهم محتوى علمى وتربوى يتناسب مع أعمارهم وقدراتهم العقلية، موضحة أنها تؤيد الحظر الكامل لأى محتوى غير مناسب، خاصة ذلك الذى يتخفى فى صورة أفلام كرتون أو ألعاب موجهة للأطفال، بينما يحمل فى طياته مشاهد أو ألفاظاً أو إيحاءات غير أخلاقية. وتلفت إلى أن كثيراً من الأطفال يصلون إلى هذا المحتوى بالصدفة أثناء بحثهم عن كرتون بريء، فيجدون أنفسهم أمام مشاهد لا تتناسب مع سنهم أو نموهم النفسى.
وتضيف أن بعض أفلام الكرتون والألعاب الإلكترونية تحتوى على ألفاظ غير لائقة، أو موسيقى وسلوكيات غير مناسبة، فضلاً عن مشاهد عنف وقتل وخداع، وتروج أحياناً لإيذاء الآخرين، وهو ما يشكل خطراً بالغاً على التكوين النفسى والسلوكى للطفل. وتؤكد أن هذه المخاطر لا تقتصر على الطفولة المبكرة فقط، بل تمتد أيضاً إلى مرحلة المراهقة، ما يستدعى حظر المواقع الإباحية، ومواقع «الدارك ويب»، وألعاب القمار، والألعاب الإلكترونية الخطرة عن الأطفال والمراهقين على حد سواء.
وفيما يخص تأثير الحظر على التواصل الاجتماعى، توضح الدكتورة عبير أن الهدف الأساسى من هذه القرارات هو حماية الطفل مما يعرف بـ«اللغة الاستقبالية»، وهى كل ما يتلقاه الطفل عبر الشاشات المختلفة، سواء التليفزيون أو الهاتف المحمول أو الأجهزة اللوحية. وتشدد على أن الطفل يجب ألا يتعرض لمحتوى يضر صحته النفسية أو يوجهه نحو أفكار عنيفة أو منحرفة أو سلوكيات تحرش، مؤكدة أن كثيراً من هذه الأفكار تبث عبر مواقع إباحية أو منصات خارجية غير خاضعة للرقابة.
وتؤكد أن ما يتم تطبيقه فى هذا الإطار يعد شكلاً من أشكال الوقاية المبكرة، موضحة أن الهدف هو الحد من المخاطر قبل وقوعها، وليس انتظار النتائج السلبية، قائلة إن حماية الطفل تبدأ بمنع وصول المواد الضارة إليه من الأساس، خاصة تلك التى تروج للعنف أو الانحراف أو السلوكيات الخطرة.
وعن البدائل توصى الدكتورة عبير بضرورة شغل وقت الأطفال بأنشطة بديلة، خاصة فى السن الصغير، من خلال الرياضة، والأنشطة الصيفية، والذهاب إلى الأندية والمكتبات، حتى لا يصبح الهاتف المحمول هو الوسيلة الأسهل والأكثر استخداماً لقضاء الوقت. وتنتقد اعتماد بعض الأسر على الهاتف كوسيلة لإسكات الطفل، مؤكدة أن هذا السلوك يترتب عليه آثار نفسية وتربوية خطيرة.
وتحذر من الإفراط فى التعرض للشاشات، موضحة أن ذلك قد يؤدى إلى تأخر النمو العقلى، ويؤثر سلباً على خلايا المخ، مشيرة إلى حالات لأطفال كانوا يتحدثون بشكل طبيعى ثم تراجع كلامهم فجأة نتيجة الجلوس ساعات طويلة أمام التليفزيون أو الهاتف، ما أدى فى بعض الحالات إلى دخولهم فى طيف التوحد، خاصة لدى الأطفال الذين لديهم قابلية أو حرمان بيئى بسيط.
وتوضح أن الحل لا يكمن فى المنع التام، وإنما فى تنظيم الاستخدام، من خلال تحديد عدد ساعات معينة، واستخدام الهاتف كوسيلة تعزيز إيجابى مرتبطة بالإنجاز والالتزام، مع التأكيد على عدم ترك الطفل لساعات طويلة أمام الشاشة. مشيرة إلى أن الإفراط فى الاستخدام يؤدى إلى العزلة الاجتماعية، وضعف الروابط الأسرية، وتراجع مهارات التواصل، فضلاً عن ظهور أعراض تشبه الإدمان.
كما تؤكد أن الاستخدام المفرط يؤثر على النوم، والأكل، والنمو الجسدى والعقلى، ويؤدى إلى ضعف التركيز والانتباه، وبطء الفهم، وكثرة النسيان، وعدم القدرة على تنفيذ التعليمات البسيطة، نتيجة انشغال الطفل الدائم بالألعاب والمحتوى الرقمى.
وفيما يتعلق بالسن المناسب لاستخدام الأجهزة الذكية، ترى الدكتورة عبير أن تأخير الاستخدام قدر الإمكان هو الخيار الأفضل، مع السماح باستخدام محدود ومراقب لبعض البرامج التعليمية التى تنمى الذاكرة والانتباه، بشرط أن تكون مناسبة للعمر، ولفترات زمنية قصيرة وتحت إشراف الأسرة.
وتختتم الدكتورة عبير حديثها بالتأكيد على أهمية وضع روتين يومى واضح للطفل يشمل مواعيد النوم، والأكل، والدراسة، والرياضة، والأنشطة الترفيهية، معتبرة أن التنظيم هو الأساس فى حماية الأطفال نفسياً وتربوياً. ومطالبة بتطبيق قرار ماليزيا ليس على الأطفال الصغار فقط، بل على المراهقين حتى سن 18 عاماً، لحمايتهم من الألعاب الخطرة ومواقع «الدارك ويب» والمحتوى الإباحى، إلى أن يصلوا إلى مرحلة من النضج تمكنهم من التمييز بين الصواب والخطأ، مؤكدة أن «تقليل المخاطر وحماية الأبناء مسئولية مجتمعية لا تحتمل التأجيل».


















0 تعليق