من الديون إلى الأصول
شهد عام 2025 تحولاً جذرياً فى فلسفة إدارة الموارد الخارجية فى مصر، حيث انتقلت الدولة من نموذج «الاقتراض لتمويل العجز» إلى نموذج مبتكر يقوم على «هندسة الأصول مقابل الديون»، ولم تكن هذه الخطوة مجرد إجراء تقشفى لمواجهة التحديات الاقتصادية، بل مثلت عملية إعادة صياغة شاملة لمحفظة التعاون الدولى، نجحت من خلالها الحكومة فى تحويل الالتزامات المالية المرهقة إلى فرص استثمارية خضراء وأصول تنموية مستدامة تعزز من مرونة الاقتصاد القومي.
وتصدرت آليات «مبادلة الديون» المشهد كأحد أهم محركات هذا التحول الهيكلى، حيث استبدلت مصر سداد الأقساط بالعملة الصعبة باتفاقيات مع الشركاء الدوليين لتوجيه تلك المبالغ بالعملة المحلية نحو تمويل مشروعات تنموية فى الداخل، وتجسد هذا التوجه فى الشراكة المصرية الألمانية التى شهدت توقيع اتفاقية ضخمة فى نوفمبر 2025 بقيمة 294.5 مليون يورو، ما يعادل نحو 16 مليار جنيه، شملت حزمة لتبادل الديون وتمويلات ميسرة.
وقد انعكس أثر هذه الاتفاقيات مباشرة على قطاع الطاقة النظيفة، حيث تم تخصيص 50 مليون يورو لربط محطات طاقة الرياح فى مناطق «رأس غارب» و«جبل الزيت» بالشبكة القومية، محولةً بذلك أعباء الدين إلى أصول منتجة تدر عائداً مستقبلياً، بالتوازى مع دخول الصين رسمياً على خط المبادلة عبر استراتيجية تعاون إنمائى تمتد حتى عام 2029.
و لم تكتفِ مصر بتخفيف أعباء القروض، بل دفعت بقوة نحو نموذج «تحويل الديون إلى حقوق ملكية» لجذب الاستثمارات الخاصة، وقد برز برنامج «نُوفّى» (NWFE) الذى أطلقته وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولى، كقصة نجاح دولية بعد تمكنه من حشد استثمارات بلغت 5 مليارات دولار لصالح القطاع الخاص فى مشروعات الطاقة المتجددة، وهو ما حول الالتزامات المناخية الدولية إلى محطات طاقة شمسية ورياح ملموسة.
ودعمت الدولة هذا التوجه بوضع سقف للاستثمارات العامة عند تريليون جنيه للعام المالى 2024/2025، بهدف إفساح المجال أمام الاستثمار الخاص الذى استهدف الوصول إلى 1.94 تريليون جنيه، ليمثل بذلك نحو 63% من إجمالى الاستثمارات الكلية فى البلاد.
وقد انعكست هذه السياسة المالية على المؤشرات الاقتصادية لعام 2025، حيث تراجع إجمالى الدين الخارجى ليصل إلى نحو 161.2 مليار دولار، مسجلاً انخفاضاً ملحوظاً كنسبة من الناتج المحلى الإجمالى لتصل إلى 44.2% فى يونيو 2025.
وفى الوقت ذاته، ارتفع صافى الاحتياطيات الدولية إلى 48.7 مليار دولار، وهو ما يكفى لتغطية واردات سلعية لمدة تتجاوز 6 أشهر، بينما شهد عجز الحساب الجارى تحسناً كبيراً بنسبة 25.9% ليصل إلى 15.4 مليار دولار، بالتزامن مع تحقيق نمو فى الناتج المحلى بنسبة 3.5% فى الربع الأول، مع تطلعات للوصول إلى 4.8% بنهاية العام المالي.
وتأكيداً لهذا التوجه، تشير رؤية وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولى إلى أن الهدف المنشود يتمثل فى خلق حيز مالى يدعم الموازنة العامة دون زيادة الأعباء، وبذلك تكون مصر قد أعادت تعريف علاقتها مع المؤسسات الدولية فى 2025، محولةً الدين من رقم صامت يرهق كاهل الميزانية إلى أداة فاعلة لتمويل التحول الأخضر وتطوير البنية التحتية، مما جعل من المحفظة الدولية منصة استثمارية كبرى تخدم أهداف التنمية المستدامة وتكبح جماح الضغوط التضخمية عبر زيادة الأصول الإنتاجية.

















0 تعليق