الجمعة 19/ديسمبر/2025 - 07:46 م 12/19/2025 7:46:49 PM
فى عالمنا المعاصر، حيث تتسارع وتيرة الحياة وتتعقد متطلباتها، تكاد الصحة النفسية تتراجع عن دائرة الأولويات فى البيئات التعليمية. بينما يُنظر إليها أحيانًا على أنها «رفاهية» أو «تدبير ثانوى»، تكشف أرقام متزايدة عن واقع مقلق: معدلات القلق والاكتئاب بين الطلبة تتصاعد بشكل لافت، والصمت يغطى صرخات معاناة آلاف الأطفال والشباب الذين يواجهون هذه التحديات يوميًا داخل الفصول الدراسية.
أزمة متنامية بين دفاتر الواجب وضغط الامتحانات
المدرسة مكان يُفترض أن يكون ملاذًا للتعلم والنمو، لكن الحقيقة مختلفة. يجد كثير من الطلاب أنفسهم محاصرين بين مطالب المناهج الدراسية الثقيلة، التنافس الشديد، الضغوط الاجتماعية، وضغوط الأسرة، إضافة إلى التأثيرات النفسية السلبية لوسائل التواصل الاجتماعى. النتيجة؟ أطفال وشباب يعانون بصمت، يتملكهم القلق والتوتر والاكتئاب، ويشعرون بالعزلة رغم وجودهم وسط زملائهم.
هل تساءلتم يومًا عن الطالبة التى تظل صامتة طوال الحصة، أو الطالب الذى يرفض المشاركة؟ ليس دائمًا لأنهم خجولون، بل أحيانًا لأن أعباء نفسية ثقيلة تثقل كاهلهم، تمنعهم من التعبير أو التركيز.
لماذا الصحة النفسية ليست رفاهية؟
قد يظن البعض أن الحديث عن الصحة النفسية فى المدارس نوع من «الترف»، أو أمر ثانوى مقارنة بمسائل التحصيل العلمى. ولكن الواقع يثبت العكس تمامًا.
فطالما لم نؤمن بأن الطالب بحاجة لأن يكون سليم النفس والعقل، لن نحقق تعلمًا فعليًا. الطالب الذى يعانى من اضطرابات نفسية يعجز عن التركيز، يتراجع مستواه، وقد ينسحب تدريجيًا من العملية التعليمية نفسها.
الصحة النفسية إذاً هى حجر الأساس لنجاح التعليم الحقيقى، وهى ضامن لسلامة المجتمع ومستقبله.
دور المدرسة والمعلم: بين التحدى والمسئولية
المعلم هو البوصلة التى توجه رحلة الطالب التعليمية، لكن هل هو مجهز للتعامل مع هذه الأزمات النفسية؟ كثيرًا ما يواجه المعلم ضغوطًا متزايدة، دون أن يتلقى التدريب الكافى على التعرف إلى علامات الاضطرابات النفسية أو كيفية التعامل معها.
لذلك، لا بد أن تتحول المدارس إلى بيئات آمنة وداعمة، تتضمن:
تدريب المعلمين نفسيًا وتربويًا: ليكونوا قادرين على اكتشاف علامات القلق أو الاكتئاب، والتصرف بشكل يخفف من معاناة الطلاب.
دمج الصحة النفسية فى المناهج الدراسية: ليكتسب الطلاب مهارات إدارة التوتر والتعبير عن مشاعرهم بشكل صحى.
توفير مرشدين نفسيين متخصصين فى المدارس: لتقديم الدعم الفردى والجماعى.
خلق بيئة صفية مشجعة على التعبير والتفاعل الإيجابي: بعيدًا عن الخوف أو التمييز.
مراجعة أنظمة التقييم والامتحانات: لتقليل الضغوط النفسية المفرطة على الطلاب.
مبادرات الدولة… خطوات على الطريق الصحيح
الوزارة تعى حجم هذه الأزمة، ولذلك أطلقت مبادرات مهمة فى السنوات الأخيرة:
برامج تدريبية متخصصة للمعلمين فى الصحة النفسية.
إدماج موضوعات الصحة النفسية ضمن المناهج.
دعم إنشاء مكاتب إرشادية داخل المدارس.
لكن هذه الخطوات، رغم أهميتها، تحتاج إلى دعم مجتمعى شامل، وتعاون مستمر بين الأسرة والمدرسة والمجتمع المدنى لضمان بيئة صحية متكاملة للطلاب.
فى النهاية: هل نستطيع سماع صرخات الصمت؟
الطلاب ليسوا مجرد أرقام فى سجل درجات، بل بشر لهم مشاعر واحتياجات.
الاستماع لهم، وفهم معاناتهم، والاهتمام بصحتهم النفسية، هو استثمار فى مستقبل أفضل للجميع. الصحة النفسية فى المدارس ليست رفاهية، بل ضرورة حياتية أساسية لا غنى عنها.
فلنبدأ بسؤال بسيط لكن عميق: «كيف تشعر اليوم؟».
ربما تكون هذه هى الخطوة الأولى نحو تغيير حقيقى.


















0 تعليق