تجفيف منابع الشائعات

الوفد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

اتجاه

الجمعة 19/ديسمبر/2025 - 07:41 م 12/19/2025 7:41:55 PM

بالطبع، نتفق مع رئيس الوزراء، الدكتور مصطفى مدبولى، فيما ذهب إليه قبل أيام، نحو تشديد العقوبة على مروجى الشائعات، وهو أمر جوهرى، إذا ماتعلقت الشائعات بغذاء وصحة الناس، وما يتهدد المسار الاقتصادى، موارد وإنفاقا على السواء، لكن كان المأمول فى هذا الموضوع، ألا يشغل الدكتور «مدبولى» نفسه إلى هذا الحد، فى التوعد بالسجن والغرامة لكل من ينشر أيا من هذه الشائعات، لو أنه فتح أرشيف الحكومة، وأرشدها إلى إطلاع الرأى العام، على كل معلومات وبيانات الملفات التى تعمل عليها، وأيضا التى انتهت منها، وتتعلق بالمشروعات المختلفة، وكافة ما عندها من قرارات وأفكار، تتعلق بشئون المجتمع وتؤثر فيه.
< خطأ الحكومة هنا، أنها فى غالب سياساتها، تفاجئ المواطنين بقرارات جديدة، قد تكون عبئا ثقيلا على قدراتهم المعيشية، مثل ما يحدث مع رفع الأسعار، الكهرباء والمحروقات والمياه والاتصالات... إلخ، وهذه من بين مستويات أخرى، لأسعار كل شيء فى هذا البلد، وبالأسلوب والمنهج نفسيهما، قرارات لتعديل سياسة عامة أو خدمات، من دون أن تجرى تمهيدا وشرحا للمجتمع، تبرر إصرارها على ذلك، وتفسيره الأقرب للحقيقة، أنها السياسة الصامتة للحكومة، حتى لو نفت هذا الكلام، والقرائن حاضرة ومستقرة، فى تعاملاتها وتصرفاتها «شبه السرية»، فى ملفات كبيرة اقتصادية، من بينها موضوع إعادة هيكلة الدعم أو تعديله.
< حتى تَوسُع الحكومة فى الاقتراض الخارجى، وما يتعلق بمشروعات البنية التحتية العملاقة، وإجراءات وتشريعات الرسوم والضرائب، لا تكون سوى نتائج نهائية، يُصدَم بها المواطنون، من دون أن تهتم الحكومة، بشرح ونقاش كافٍ، حول الخلفيات والبدائل المتاحة، وبالتالى تفرضها بـ«الإذعان» على أنها «إنجازات»، رغم شُح المعلومات الرسمية عنها، أو عن الهدف والعائد منها، والتى لا تعوضها البيانات، والمتحدثون باسم الحكومة «مجتمعة» أو الوزارات «منفردة»، وهو ما يدعو البعض للتشكيك تارة، والتخمين تارة أخرى، ومن هذه النقطة تنطلق الشائعات، طالما غابت الحقيقة وما يدعمها من بيانات ومعلومات، الحكومة مُلزَمة- دستوريا- بإطلاع الشعب عليها.
< وكما فى التشريعات والقرارات، يظل الأخطر ما يجرى وقت الأزمات، عندما تتعامل الحكومة مع- مثلا- نقص سلع غذائية، أو ضغوط اقتصادية واجتماعية، على أنها أزمات مؤقتة، ولا تصارح المجتمع أو حتى تدير نقاشا عاما، حول السيناريوهات المحتملة، أو انعكاسات هذه الأزمات على المدى الراهن والقريب، وهو ما يهيئ المناخ لانطلاق الشائعات، حتى فى السياسات الاجتماعية، التى هى محل تغيير «عميق»، فى أولويات الإنفاق على قطاعات التعليم والصحة، والـ«تقليب» المتواصل فى مخصصات الدعم، تنفذه الحكومة «عنوة»، من دون الإعلان عن إستراتيجية، يمكن أن تقنع المواطنين، إلا التفاجؤ بالأثر.. سلبا أو إيجابا.
< لا لوم على الحكومة، بقدر ما عليها أن تُصارح الشعب، وهنا الخطوة الأولى لتجفيف منابع الشائعات، والأمر الآخر، السرعة والعجلة فى إصدار قانون «تداول المعلومات»، الذى من شأنه سد الثغرات، التى تنفذ منها الشائعات والأخبار الكاذبة، والدستور فى مادته «رقم 68»، يتحدث نصا: «المعلومات والبيانات والإحصاءات والمستندات الرسمية ملكية للشعب، ويكفل للدولة توفيرها للمواطنين بشفافية»، وليس غائبا عن الحكومة، أن دولا سبقتنا فى ذلك، مثل الأردن، بقانون «ضمان حق الحصول على المعلوات»، وتونس، بقانون «النفاذ إلى المعلومة»، والمغرب، «الحق فى الحصول على المعلومات» .. تبقى الإرادة، أن نتصدى للشائعات بالشفافية والمصارحة، وليس بالعقوبات وحدها.

[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق