يتكرر في المغرب بعد كل كارثة كبرى الإعلان عن فتح تحقيق قضائي لتحديد المسؤوليات، إلا أن نتائج هذه التحقيقات تبقى غالبا مجهولة للرأي العام، مما يثير التساؤلات حول شفافية الإجراءات القضائية ومصداقية المتابعة.
فتح التحقيقات بعد الكوارث الكبرى في المغرب
أعلنت النيابة العامة في المغرب مرارا عن فتح تحقيقات قضائية عقب وقوع كوارث كبيرة شملت فيضانات قاتلة وانهيارات مبان وحوادث نقل جماعي.
ورغم هذه الإعلانات، بقي مصير عدد كبير من التحقيقات مجهولا بعد مرور سنوات، دون اطلاع الرأي العام على مآلاتها، وأكد رصد صحافي متقاطع للبلاغات الرسمية والتغطيات الإعلامية الوطنية أن نحو 40 تحقيقا أعلن عن فتحه منذ منتصف العقد الأول من الألفية، وقد يصل العدد إلى 50 أو 60 تحقيقا، دون نشر نتائج دقيقة عن المتابعات أو تحديد المسؤوليات.
وأظهرت المعطيات أن السلطات القضائية لا تمتلك إحصاء رسمي منشور يوضح عدد التحقيقات المفتوحة بعد الكوارث الكبرى ولا عدد الملفات التي أغلقت أو أحيلت إلى المحاكم، ما يجعل إعلان فتح التحقيق الإجراء الوحيد المعلن في كثير من الحالات.
تتبع الانهيارات العمرانية والفوضى الحضرية
سجلت الانهيارات العمرانية ما بين 15 و20 تحقيقا خلال العقدين الماضيين عقب انهيار مبان سكنية في مدن كبرى مثل فاس، الدار البيضاء، مراكش، طنجة، تطوان، وآسفي.
ووصفت هذه الحوادث غالبا بأنها نتيجة بنايات آيلة للسقوط أو خلل في المراقبة والتعمير، فيما لم تنشر نتائج التحقيقات الرسمية لتوضيح المسؤوليات أو تحديد المقصرين.
كما فتحت النيابة العامة بين 8 و12 تحقيقا بعد فيضانات قاتلة داخل المجال الحضري أودت بحياة عشرات الأشخاص، خاصة في مناطق كلميم سنة 2014، وطنجة سنة 2021، وآسفي في أعوام 2010 و2023 و2025، إضافة إلى تارودانت وضواحيها، وتبقى تقارير أسباب الفيضانات أو المسؤوليات غير منشورة للرأي العام.
تقصي حوادث النقل الجماعي والبنى التحتية
أعلنت النيابة العامة عن فتح ما يقارب 6 إلى 8 تحقيقات بعد حوادث قطارات وحافلات ومركبات نقل العمال وانهيارات قناطر أو طرق قيد الإنجاز بين 2011 و2022، وبرز حادث قطار بوقنادل سنة 2018 كأحد القضايا القليلة التي انتهت إلى محاكمة تقنية، دون أن تتبعها مساءلة سياسية أوسع.
متابعة الكوارث الصناعية والجماعية
فتحت النيابة العامة ما بين 5 و7 تحقيقات بعد كوارث صناعية وبيئية مرتبطة بتلوث أو وفيات في محيطات صناعية، إضافة إلى 5 أو 6 تحقيقات أخرى بعد أحداث جماعية أو وفيات غامضة أو استثنائية، من بينها حوادث اختناق أو تدافع في فضاءات عامة.
ورغم هذه التحقيقات، يلف غياب الشفافية أغلب الملفات، ما يؤدي إلى تآكل ثقة المواطنين وعائلات الضحايا الذين يجدون أنفسهم دون معطيات واضحة حول تحديد المسؤوليات أو جبر الضرر بعد انتهاء الاهتمام الإعلامي.
تأكيد النيابة العامة على الالتزام بالقانون
أكدت رئاسة النيابة العامة المغربية في تقاريرها السنوية التزامها بتطبيق القانون ومتابعة القضايا وفق المساطر الجاري بها العمل، لكنها تقتصر على تقديم بيانات إجمالية عن نشاط النيابات العامة دون تفصيل نتائج التحقيقات المتعلقة بالكوارث الكبرى.
تستمر الكوارث في المغرب بالتكرار، بينما يبقى الإعلان عن فتح التحقيقات مجرد إجراء شكلي غالبا، والنتائج الفعلية حبيسة الملفات، ما يثير الجدل حول حدود الشفافية والفارق بين المسؤولية الجنائية والمسؤولية السياسية.


















0 تعليق