الإثنين 15/ديسمبر/2025 - 07:32 م 12/15/2025 7:32:10 PM
لطالما تعلمنا في الاقتصاد أن الاحتكار يفرض تكلفة مباشرة على المستهلك تتمثل في ارتفاع الأسعار. لكن في العصر الرقمي، تقدم شركات التكنولوجيا العملاقة (Big Tech) خدمات "مجانية" أو بأسعار منخفضة جداً. فهل يعني هذا أنها لا تفرض تكلفة احتكارية؟
التحليل العميق للمفكر الفرنسي الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2014، جان تيرول، يجيب بالنفي القاطع. لا يوجه تيرول تحذيره ضد مجانية الخدمات الالكترونية، بل ضد التكاليف الخفية وغير النقدية التي ندفعها. هذه التكاليف تهدد الكفاءة والعدالة والابتكار على حد سواء.
يبدأ تيرول بقضية استغلال البيانات، والتي تتمثل آثارها السلبية في كل من:
أولا: انتهاك الخصوصية: تُستخدم بيانات المستخدمين لتغذية آلة الإعلانات الموجهة بدقة، مما يقلل من استقلالية الفرد في اتخاذ القرار. هذا يشكل تآكلاً للشخصية الفرد.
ثانيا: التلاعب السلوكي: القدرة التنبؤية الهائلة الناتجة عن تجميع البيانات تمكن الاحتكارات من توجيه قرارات المستخدمين وسلوكهم، مما يقلل من كفاءة السوق الحرة التي تفترض وجود مستهلك عقلاني ومستقل.
ثالثا: خنق الابتكار: إن التكلفة الأخطر التي يحذر منها تيرول هي تأثير الاحتكار على الابتكار والمنافسة المحلية.
رابعا:الاستحواذ : تستخدم شركات التكنولوجيا العملاقة أرباحها الهائلة لشراء المنافسين الناشئين أو الشركات التي تشكل تهديداً محتملاً، ثم تقوم بسرقة منتجاتها أو دمجها. هذا يمنع الأفكار الجديدة من النمو ويحرم المستهلكين من خيارات أفضل.
خامسا: وهم المستهلك: تستطيع الشركات الاحتكارية استخدام منصاتها وقواعد بياناتها الضخمة لتفضيل منتجاتها الخاصة بشكل غير عادل على حساب المنافسين الأصغر، مما يخنق قدرة الشركات المحلية الناشئة على المنافسة.
باختصار، يذكرنا تيرول أن الهدف من الاقتصاد هو تحقيق الرفاهية المجتمعية القصوى. وفي العصر الرقمي، هذه الرفاهية يجب ان تتضمن كل من الخصوصية والابتكار والمنافسة، وهي تكاليف خفية يجب على النظام العالمي أن يبادر بكشفها ومعالجتها.


















0 تعليق