يشهد المجتمع المصري تحولات سريعة وتحديات أخلاقية وسلوكية خطيرة كجزء من ظاهرة عالمية واكبت التطور التكنولوجي الهائل دون ضوابط دينية وقيمية تحكم هذه المتغيرات. ومن أهم تلك التحديات ما يتعلق بالتعامل مع "جيل زد"، وهم الشباب الذين ترعرعوا في خضم الثورة الرقمية دون تثبيت كافٍ لأركان التربية والمعايير الأخلاقية، وفي الوقت نفسه واكبوا نشأة حروب الجيل الرابع والخامس التي تستهدف تدمير المجتمعات من الداخل بأيدي أبنائها، خاصة الأجيال الناشئة التي لم تمر بتجربة الصراع مع الاستعمار والكيان الصهيوني وتضحيات التحرر من الهيمنة علي مقدراتنا وثرواتنا.
إن مواجهة هذه الحروب تقتضي امتلاك سلاح المناعة الدينية والأخلاقية للفرد والمؤسسات، وهو ما يعيد ضرورة الاهتمام بالتربية الدينية من الروضة وحتى الجامعة، وإضافة هذه المواد للمجموع النهائي، فضلاً عن التوعية المستدامة للكبار عبر وسائل التنشئة الاجتماعية مثل الإعلام والإنترنت والدراما والسينما والمسرح. ويحظى التعليم الديني في دول أخرى باهتمام بالغ، كما في السعودية التي تدرس خمسة أفرع تشمل القرآن الكريم والدراسات الإسلامية وتشمل : التفسير، والتوحيد، والحديث (السنة)، والفقه، واعتبارها مواد أساسية تدخل ضمن المجموع النهائي. أما في مصر، فقد جرت العادة منذ عقود على تدريس مادة واحدة محدودة المحتوى وغير مضافة للمجموع، مما جعلها في ذيل اهتمام المدارس والطلاب وأولياء الأمور، وهو ما انعكس في تراجع المناعة السلوكية للأجيال الجديدة.
وقد أدرك أولياء الأمور هذه الخطورة، فتعالت دعواتهم للمطالبة بالاهتمام بالتعليم الديني لمواجهة صعوبات التحكم في النشء، إدراكاً بأن الوازع الديني هو خط الدفاع الأول ضد موجات الإفساد، وأن "المجموع" هو ما يحدد أولوية جهد الطالب. وقد دفع ذلك بعض أولياء الأمور إلي جلب مشايخ لأبنائهم علي نفقتهم لتحفيظ القرآن في المنزل لتدارك قصور التربية الدينية المدرسية.
إن إعادة المادة لمكانتها كمادة أساسية هي ضرورة أمن قومي لتحصين الطليعة الشابة من هجوم ثلاثي الأبعاد؛ يتمثل بعده الأول في "اغتيال المرجعية" بنزع الثقة من الأسرة والمدرسة والمؤسسة الدينية والدولة، مما يخلق فجوة نفسية تظهر في سلوك تدميري كما حدث في المغرب منذ أسابيع حين هاجم مراهقون المؤسسات والبنوك والممتلكات العامة والخاصة، مما يوحي بروح عدائية إنتقامية دفينة. أما البعد الثاني فهو "انهيار القيم" عبر الترويج لحرية فردية منفصلة عن المسؤولية وتصوير الالتزام كـ "تخلف"، مما يؤدي لتآكل الوازع الأخلاقي. ويتجلى البعد الثالث في "التشوه الفكري"، فحين لا يجد الطلاب إجابات منهجية لأسئلتهم الوجودية داخل المدرسة، يلجؤون للإنترنت حيث يتعرضون لتيارات متطرفة تتبنى تفسيرات منحرفة للدين.
إن تهميش هذه المادة يخدم أجندات إضعاف المجتمع، حيث يؤدي غياب التحصين لتصاعد سلوكيات كالغش في الامتحانات، والانحلال والشذوذ، والعنف، والبلطجة، والرشوة، وخيانة الأمانة، والفهلوة، وصولاً إلى خيانة الوطن والمشاركة في أعمال التجسس وأعمال التخريب والعنف تحت مسمى البطولة والشجاعة، مما يدفع لتوظيف الجيل الجديد في تفكيك الدولة والمؤسسات مستقبلا. إن جيلاً يتربى في غيبة القيم هو جيل رخو يسهل توظيفه من قبل "الفساد والتطرف" معاً؛ لذا فإن إضافة المادة للمجموع يضمن تحويل المدرسة لمصدر موثوق للقيم الوسطية غير التحريضية، على أن تقوم المناهج على تنمية التفكير الناقد والتسامح لمقاومة خطاب الكراهية. إن هذه الخطوة ستكون رسالة واضحة بأن الأخلاق هي سلاحنا الأقوى في بناء وطن مستقر ومحصن ضد تحالف معول الفساد مع معول التطرف والتكفير.
(سياسي ونقابي مصري والمستشار الأسبق لوزير البيئة)













0 تعليق