الإثنين 15/ديسمبر/2025 - 07:30 م 12/15/2025 7:30:22 PM
لم يعد مفهوم الأمن القومي محصورًا في حماية خط الحدود بل اتسع ليشمل حماية المجال الحيوي للدولة ومحيطها المباشر. فما تشهده المنطقة اليوم من انهيارات سيادية في السودان وليبيا وتمدد للميليشيات وتصارع نفوذ دولي محموم على القرن الإفريقى تجاوز حدود الأزمات التقليدية ليصبح تهديدًا وجوديًا يستدعي استجابة غير تقليدية، جريئة وقابلة للتنفيذ.
جوهر الخطر الراهن يتمثل في تآكل الدولة الوطنية، وما يصاحبه من فراغ أمني تستغله قوى إقليمية ودولية لنهب الثروات وتفكيك المجتمعات ودعم فاعلين من غير الدول. لقد تحولت مناطق غنية بالنفط والمعادن والمياه إلى مسارح مفتوحة للأطماع. ما ينذر بتقسيمها وتحويلها إلى بؤر دائمة للفوضى . أمام هذا المشهد يصبح لزامًا على القاهرة أن تعيد صياغة معادلة أمنها القومي عبر إطار إقليمي جديد قائم على الحماية المتبادلة لا ردود الفعل المؤقتة.الكونفدرالي كضرورة جيوسياسة
الطرح المطروح اتحادًا كونفدراليًا طوعيًا بين دول ذات سيادة كاملة: مصر، السودان، ليبيا، تشاد، مع انضمام إريتريا لأهميتها البحرية الاستراتيجية. اتحاد يقوم على اتفاقات رسمية واضحة، ينسق السياسات الدفاعية والاقتصادية، ويؤسس لقوة أمنية مشتركة قادرة على تفكيك الميليشيات، وضبط الحدود، وحماية الثروات وتوجيه عائداتها لخدمة شعوب الإقليم بدلًا من تسربها للخارج.
أركان الدرع الحيوي: من الفكرة إلى التنفيذ
أولًا .الردع الجيوسياسي الفعال:
يحقق الاتحاد عمقًا استراتيجيًا متبادلًا يحول دون بقاء حدود رخوة ومكشوفة. القيادة الموحدة والتنسيق العسكري والاستخباراتي يخلقان قوة ردع حقيقية ضد الإرهاب والتدخلات وألأطماع الأجنبية ويملآن الفراغ الأمني بشرعية دولة لا بسطوة الميليشيا.
ثانيًا، أمن المياه والطاقة: بوقوع منابع النيل وحقول النفط والغاز والمعادن الحيوية داخل هذا النطاق، تصبح الإدارة المشتركة لهذه الموارد ضمانة للاستقرار المائي والغذائي والطاقة، وتحول دون استخدامها كأدوات ابتزاز سياسي أو ساحات صراع مسلح.
ثالثًا، الكتلة الاقتصادية المتكاملة: يجمع الاتحاد بين الثقل السكاني والصناعي المصري، والموارد الزراعية والحيوانية والمعدنية الهائلة للدول الشقيقة، مكونًا سوقًا إقليمية تتجاوز 200 مليون نسمة. هذا التكامل يفتح الباب لاكتفاء ذاتي استراتيجي، ويجذب استثمارات كبرى بشروط عادلة، ويحول المنطقة من عبء أمني إلى محرك نمو.
رابعًا، تأمين الجبهة البحرية: فوضى الجوار تهدد مباشرة أمن البحر الأحمر وبوابة قناة السويس. إن إدماج حماية هذه الممرات الحيوية ضمن عقيدة دفاع مشتركة، خاصة مع انضمام إريتريا، يمثل تحصينًا حاسمًا ضد محاولات عسكرة الممرات المائية أو فرض واقع جديد بقواعد أجنبية.
الخلاصة: خيار البقاء لا الترف السياسي
إن تفعيل «الدرع الحيوي» هو استعادة واعية للدور التاريخي لمصر كقوة استقرار إقليمي. فهو يحول التهديد المشترك إلى مصلحة مشتركة، ويستبدل الهشاشة الفردية بقوة جماعية قادرة على الصمود والنمو. هذه الكونفدرالية لا تلغي الدول، بل تنقذها من التفكك، ولا تستفز الجوار، بل تحصنه. إنها ليست رفاهية فكرية، بل خيار وجودي تفرضه لحظة تاريخية لا تحتمل التأجيل.














0 تعليق