«الدستور» فى بيروت.. رسائل حب من «ست الدنيا» لـ«أم الدنيا»

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

شاركت «الدستور» فى الزيارة الأخيرة التى أجراها الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، إلى دولة لبنان الشقيقة، على رأس وفد رسمى، والتى شهدت لقاءات مع الرئيس ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب فى لبنان، إلى جانب لقاءات مع عدد كبير من الشركات ورجال الأعمال. 

وفى مقابل التغطية الرسمية لزيارة رئيس الوزراء، التى ركزت على اللقاءات والمؤتمرات، ما رصدناه بعيدًا عن الشق الرسمى يعتبر جديرًا بالتوثيق، خاصة أنه يكشف عن جانب مختلف من العلاقات المصرية اللبنانية، وحفاوة الشعب اللبنانى بمصر وأهلها، منذ وصول الوفد المصرى لمطار «رفيق الحريرى» فى العاصمة بيروت.

فى السطور التالية، نعرض أبرز محطات الاحتفاء بالوفد المصرى، والإشادات الواسعة بالرئيس عبدالفتاح السيسى بمجرد ذكر اسمه، إلى جانب المحبة التى يُكنها اللبنانيون لكل ما هو مصرى، وسؤالهم عن موعد مباريات منتخب مصر فى كأس الأمم الإفريقية لمتابعتها، وغيرها الكثير فيما يلى. 

حفاوة كبيرة من أول لحظة: «لو مصر طلبتنا جنودًا.. سنلبى».. والجميع يصف الرئيس السيسى بالزعيم العربى

منذ لحظة وصولنا لمطار «رفيق الحريرى» فى بيروت، وأقصد هنا الوفد الإعلامى والصحفى، استقبلتنا حفاوة استثنائية من المسئولين والموظفين اللبنانيين، الذين سهّلوا خروجنا من المطار فى وقت قصير، وهى الحالة التى امتدت إلى الشارع، وتحديدًا داخل تاكسى استوقفته لتوصيلى إلى الفندق المُخصص لنا فى «الحمراء».
لم يسكت السائق منذ معرفته أننى مصرى، وصمم على أنه لن يتركنى حتى أسكن فى غرفتى بالفندق. صار يشرح لى تفاصيل الحياة فى بيروت، ومدى حبهم مصر. وعند وصولنا للفندق، طلب من موظف الاستقبال عدم تسجيل الوصول إلا بعد فحص غرفة إقامتى.
لم تعجبنى الغرفة بعد رؤيتها، فنزل السائق واعتذر لهم، واصطحبنى بنفسه إلى فندق آخر فى «عين المريسة». وعندما تأكد أنه مناسب لى، أعطانى رقم هاتفه الشخصى، وعرض علىّ مساعدتى طوال أيام الإقامة. وبصعوبة أخذ ١٠ دولارات فقط مقابل توصيلى من المطار للفندق.
لم يكن سائق التاكسى وحده من عاملنا بهذه الطريقة، بل كل من قابلناه فى الفندق، بمن فيهم «جنات» الإثيوبية، التى ابتسمت فى وجهى وقالت لى: «رغم أن هناك خلافات سياسية بين البلدين، لكننا كشعوب نحب مصر وأهلها»، قبل أن تبدى إعجابًا شديدًا بمطار القاهرة الذى نزلت فيه أكثر من مرة لـ«الترانزيت».
فى الشارع أيضًا، كل من يلمحك يكتشف أنك مصرى، ثم يقترب منك بوجه مبتسم، ويعرض عليك تقديم أى خدمة.
فى صبيحة يوم الوصول، طالعت الصحف والبرامج التليفزيونية اللبنانية لأبحث عما كتبوا عن الزيارة، وجدت احتفاءً وفرحة كبيرين، وتنوعًا فى التحليلات التى تناولت الزيارة بين السياسية والثقافية والاقتصادية.
الاحتفاء بالرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى كان ملموسًا للغاية، الذى وصفه كل من التقيناه بالزعيم العربى، ومن بينهم إبراهيم الغوش، الذى قال بنبرة يملؤها الحماس: «والله لو عرفت بأن مصر تحتاجنى كجندى فى حربها ضد أى أحد سأكون هناك فورًا. أنا وكثيرون هنا نعشق مصر وأهلها وقياداتها، فهى الظهر والسند لكل العرب»، مشددًا على أن «قوة مصر بأهلها وناسها، الذين يعتبرون أرضها وترابها شرفًا قبل أى شىء، ما يجعلها بلدًا ليس له مثيل».
أما مهدى بشير، أحد من تولوا تأمين الوفد المصرى، فقال: «هانى شاكر يأتى دومًا هنا، آخر مرة كانت منذ أسبوع، نطلبه دائمًا لإقامة الحفلات. وعلى بُعد أقل من كيلومترين تسكن الفنانة المصرية شيريهان». ثم سألنى: «متى تبدأ بطولة كأس الأمم الإفريقية؟ وما موعد المباراة الأولى لمنتخب مصر؟».
وقبل أن أسأله عن سبب سؤاله قال: «أسألك لأننى، وغيرى الكثيرين هنا، نعشق الأسطورة المصرية محمد صلاح الذى احتل قلوبنا، ونشاهد ليفربول ونتابعه خصيصًا من أجل خاطره. لديكم كنوز كثيرة لا تنضب أبدًا. أنتم حيرتم العالم كله، نحن نعشقكم، وأنتم هنا فى بلدكم ومرحبًا بكم فى أى وقت». 
تصفيق حار لـ«روشتة» نجاح الإصلاح الاقتصادى
من ضمن فعاليات الزيارة لقاء جمع رئيس الوزراء، الدكتور مصطفى مدبولى، مع مجموعة من رجال الأعمال اللبنانيين، نشر تفاصيله العديد من وسائل الإعلام المصرية واللبنانية، على رأسها «الدستور». 
اللافت فى هذا اللقاء كان سؤالًا مُكررًا من رجال الأعمال اللبنانيين هو: كيف استطاعت مصر تنفيذ خطة الإصلاح الاقتصادى، رغم أنها خطة ليست شعبوية ولا يحبها الجميع، إلى جانب ما يتردد عن صعوبة التعامل مع صندوق النقد الدولى؟
شرح لهم الدكتور مصطفى مدبولى كيف وضعت الدولة المصرية لنفسها خطة وطنية مرنة، قدمتها لصندوق النقد الدولى، وتفاوضت حولها، مع إصرار القيادة السياسية للبلاد على الإصلاح المستدام، والمتابعة اليومية لتنفيذ المشروعات، إضافة إلى تحمل المواطن تبعات هذا الإصلاح.
أكد رئيس الوزراء أن هذه كانت كلمات السر فى نجاح خطة الإصلاح الاقتصادى فامتلأت القاعة عندها بالتصفيق الحار، تقديرًا لمصر وأهلها وقياداتها، فى شعور يعكس احترام اللبنانيين للتجربة المصرية وإنجازاتها فى مواجهة التحديات.
انتهت أعمال الوفد بعشاء فى «السراى الكبير» على شرف الدكتور مصطفى مدبولى. وقبل أن أنسى، لا بد من الإشارة إلى الاحتفاء الكبير الذى لقيناه من مختلف الإعلاميين والصحفيين اللبنانيين بمختلف توجهاتهم الفكرية والعقائدية. ولعل ما قامت به الإعلامية مايا فرح خير شاهد على ذلك، والتى عبّرت عن فرحتها الكبيرة بالزيارة، مؤكدة أنها ستزور مصر قريبًا، فى زيارة ليست الأولى بالطبع.
وبسبب ضيق الوقت، قررنا القيام بجولة خاصة، فزرنا شارع «الحمرا»، الذى يشبه إلى حد كبير شارع «طلعت حرب»، بما يضمه من محال ملابس واكسسوارات ومَقاهٍ ومطاعم.
كل من يلمحك هناك، ثم يعرف أنك مصرى من لهجة الكلام، يبتسم على الفور، وتجده يحتفى بك. ورغم معاناتهم من ارتفاع الأسعار، يظل اللبنانيون شعبًا مُحبًا للحياة، ينفق ما فى جيبه من أجل التنزه مهما كانت العواقب، ويحبون أن يعيشوا اللحظة دون النظر إلى الغد.
من أجمل محطات جولتنا كان كورنيش بيروت، ذلك المكان الذى يشكل متنفسًا حقيقيًا للبسطاء، ويعكس روائح البحر المتوسط، وإيقاع الحياة اللبنانية البسيط والملىء بالحيوية. تجد هناك أغلب اللبنانيين يمارسون رياضة المشى، ويستمتعون بلحظات اللقاء على المقاعد المطلة على البحر. كما أنه ملتقى للعشاق، ومكان يحمل فى طياته قصصًا يومية من الحب والصداقة، ويشبه كثيرًا كورنيش الإسكندرية، من حيث الحيوية والدفء، وانفتاح الناس على الحياة. المشى على كورنيش بيروت لم يكن مجرد جولة، بل تجربة عميقة تمنحك إحساسًا بالارتباط بين البشر والطبيعة، والقدرة على التمتع باللحظة رغم صعوبات الحياة اليومية.

على العشاء.. نواف سلام يتحدث عن صباح وروز اليوسف وعمر الشريف
خلال عشاءٍ لبنانى دافئ داخل «السراى الكبير»، تحدث الدكتور نواف سلام، رئيس الحكومة اللبنانية، عن زمنٍ لم يعد الدم فيه شأنًا محليًا، بل صار نزيفًا إقليميًا مفتوحًا، تتداخل فيه الجغرافيا بالمصير، والسياسة بالإنسان.
تطرق «سلام» إلى مؤتمر شرم الشيخ الذى عقد تحت وقع الحرب والدمار، وموقف مصر التاريخى لمنع تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، لا طلبًا للخطابة، بل سعيًا لوقف النار، إلى جانب تنظيم تدفق المساعدات الإنسانية، وفتح النوافذ القليلة المتبقية فى جدار المعاناة أمام الشعب الفلسطينى الذى يدفع ثمن صراعٍ أطول من أعمار أبنائه.
ومن السياسة، انزلق الحديث بسلاسة إلى التاريخ، فقال رئيس وزراء لبنان: «العلاقات بين لبنان ومصر لا تُختصر فى بروتوكولات أو بيانات رسمية، بل هى علاقة شعبين تشاركا الذاكرة قبل المصالح، والتجربة قبل الاتفاقيات، علاقة ليست وليدة العصر الحديث، بل ممتدة فى عمق الزمن، عبر طرق التجارة، ومسارات الفكر، وتبادل التأثير».
استعاد رئيس الحكومة اللبنانية القرن الـ١٩ حين كانت القاهرة والإسكندرية مدينتين مفتوحتين على البحر والعقل معًا، تستقبلان اللبنانيين الهاربين من ضيق الجغرافيا إلى رحابة الفكرة، فوجدوا فيهما فضاءً عربيًا حرًا للعمل والإبداع، وأسهموا فى صناعة نهضة صحفية وأدبية وفكرية، لم تكن التجربة اللبنانية فيها استثناءً، بل كانت عنوانًا ورافعة، وشاهدًا على عمق الصلة بين بيروت والقاهرة.
وتوقف «سلام» عند الأسماء التى لم تكن عابرة فى التاريخ العربى الحديث، بل علامات مضيئة، فأشار إلى المطربة الكبيرة الراحلة صباح، التى لم تلمع صدفة، بل وجدت فى مصر بيتها الثانى، وانفتحت لها هناك المسارح والسينما والإذاعة، فصارت صوتًا عربيًا جامعًا، لا يُنسب إلى بلد واحد بقدر ما يُنسب إلى زمنٍ كامل.
ونبه كذلك إلى سليم وبشارة تقلا، اللذين شكّلا أحد أبرز رموز الصحافة العربية الحديثة، بعدما أسسا فى القاهرة تجربة صحفية راسخة، جعلت من الكلمة اللبنانية جزءًا أصيلًا من المشهد الثقافى المصرى، وأسهمت فى ترسيخ تقاليد مهنية وفكرية ما زالت حاضرة حتى اليوم.
كما أشار إلى روز اليوسف، اللبنانية الأصل، التى لم تكن مجرد اسم فى تاريخ الصحافة والفن، بل كانت نموذجًا حيًا لهذا الامتزاج الخلاق، حين خرجت من بيروت إلى القاهرة، لتصبح واحدة من أكثر الشخصيات تأثيرًا وجرأة فى الحياة الثقافية والسياسية المصرية، مؤكدة أن الإبداع حين يعبر الحدود، يصنع أوطانًا أوسع من الجغرافيا.
ومن هذا التفاعل، خرجت الصحافة والفن والكلمة والموسيقى، فى مسارٍ لم ينقطع، أسهم فى تشكيل الوجدان العربى الحديث، وجعل من مصر بيتًا ثانيًا لكثير من المبدعين اللبنانيين. كما جسّد رموز الفن العربى، وعلى رأسهم عمر الشريف، هذا الامتزاج الثقافى بين ضفتى المتوسط، حيث تلاقت العروبة مع الفن، والهوية مع الإنسان.
وفى موازاة هذا المسار الثقافى، أشار «سلام» إلى إسهام مشترك فى بلورة الأسئلة الكبرى للفكر القانونى والسياسى العربى: الدولة الحديثة، والدستور، والحريات، ودور المؤسسات، وهى أسئلة وُلدت هناك، وما زالت تتردد أصداؤها حتى اليوم.
وأنهى رئيس الحكومة اللبنانية كلمته بنبرةٍ أقرب إلى التأمل، مؤكدًا أن بيروت تؤمن بأن التعاون العربى يمكن أن يكون نموذجًا حيًا، لا على مستوى السياسة وحدها، بل فى مجالات الإنسان، والاقتصاد، والعلم، والتكنولوجيا، عبر استثماراتٍ مشتركة، وبحثٍ علمى، وشبكات تعليمٍ تفتح الأفق بدلًا من أن تغلقه، مع التمسك بسيادة لبنان ووحدة أراضيه، والعمل على إعادة الحياة إلى ما هدمته الحروب، بدعمٍ عربى يرى فى الاستقرار استثمارًا فى الإنسان قبل أى شىء آخر.
 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق