أصدرت الإمارات العربية المتحدة العدد الأربعين من مجلة "الموروث" الفصلية المحكمة، الصادرة عن معهد الشارقة للتراث، ليواكب هذا الإصدار مرور عشر سنوات كاملة على انطلاق المجلة منذ عددها الأول، في مسيرة ثقافية متواصلة كرّست حضورها كمنبر علمي ومعرفي معني بالتراث العربي والإنساني وقضاياه الراهنة والمستقبلية.
ويأتي صدور هذا العدد متزامنًا مع احتفالات دولة الإمارات العربية المتحدة بـاليوم الوطني الرابع والخمسين، ليعكس تلاقي المشروع الثقافي للمجلة مع مسار الدولة الداعم للمعرفة وصون الذاكرة والهوية.
رئيس التحرير: المجلة ثمرة رؤية ثقافية ورعاية مستمرة

وفي مقاله الافتتاحي، استعرض الدكتور عبدالعزيز المسلّم، رئيس تحرير المجلة، مسيرة «الموروث» خلال عقد من الزمن، مؤكدًا أن المجلة نجحت في ترسيخ مكانتها كمنصة علمية متخصصة في دراسات التراث، بفضل رؤية واضحة ودعم مؤسسي واعٍ.
ووجّه المسلّم رسالة شكر وتقدير إلى صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، واصفًا إياه بـ«راعي الثقافة والتراث»، ومؤكدًا أن استمرار المجلة وتحقيق رسالتها لم يكن ليتحقق لولا دعم سموه ورعايته للمشروعات الثقافية والمعرفية.
كما ثمّن رئيس التحرير جهود الباحثين والكتّاب والقرّاء، مشيرًا إلى أن تفاعل الجمهور مع المجلة «فاق التوقعات»، ومؤكدًا أن نجاح أي مشروع ثقافي مرهون بحيوية جمهوره وعمق تفاعله.
ملف دراسي ثري يعبر الجغرافيا والثقافات
جاء العدد الأربعون حافلًا بمجموعة من الدراسات والأبحاث التي تنوعت جغرافيًا ومعرفيًا، وغطّت قضايا التراث المادي وغير المادي، ومن أبرزها:
دراسة للباحث خالد أبو الليل بعنوان «الشيخ زايد بطلاً قوميًا شعبيًا»، تناول فيها صورة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان – طيب الله ثراه – من منظور البطولة الشعبية في السير العربية والعالمية، مستخلصًا القيم التي جعلته رمزًا خالدًا في الوجدان الجمعي.
دراسة نقدية للباحثة رؤى قداح حول المجموعة القصصية «على أجنحة الطير»، حلّلت من خلالها الأنساق الأسطورية والطوطمية والرموز السيكولوجية الكامنة في السرد.
بحث للباحثة المهندسة زينب قندوز بعنوان «المعلن والكامن من حكايات الطير»، تناول تمثلات الطيور في البيوت التقليدية التونسية، بوصفها تعبيرًا ماديًا ورمزيًا مرتبطًا بالطقوس والموروث الشعبي.
دراسة للباحث محمد العساوي حول «الموروث الثقافي بالمغرب الشرقي في ضوء منصات التواصل الاجتماعي»، رصدت أثر وسائل التواصل، خاصة «فيسبوك»، في حفظ التراث أو إعادة تشكيله.
دراسة للباحث رشيد وديجي استعرضت الأشكال الفرجوية في منطقة تافيلالت المغربية، وما تعكسه من تداخل روافد إفريقية وأندلسية وأمازيغية وصحراوية.
التراث غير المادي من السودان إلى دمشق
وفي السياق ذاته، تناول الباحث أسعد عبد الرحمن التراث الثقافي غير المادي في السودان، مسلطًا الضوء على الدور الاقتصادي والاجتماعي للحرف التقليدية، مع دراسة تفصيلية لحرفة المفارش السعفية المرتبطة بالنخلة وطقوسها الرمزية.
كما قدمت الباحثة المهندسة وفاء داغستاني قراءة تحليلية معمارية وتشكيلية للجامع الأموي الكبير بدمشق، كاشفة عن تحولاته التاريخية التي جعلته أحد أبرز المعالم الإسلامية المسجلة على قائمة التراث العالمي.
مقاربات أنثروبولوجية وترجمات معرفية
في قسم المقاربات، تناول الباحث دحماني سليمان الطقوس الجنائزية عبر التاريخ، مستعرضًا نتائج دراسات أنثروبولوجية عربية حول ثيمة الموت وممارساته الثقافية.
كما قدّم الباحث محمود عبد المقصود دراسة حول المتحف المصري الكبير، معتبرًا إياه مشروعًا حضاريًا عالميًا ومركزًا دوليًا للأبحاث في علم المصريات.
أما في حقل الترجمة، فقدّم الباحث يوسف المودن ترجمة لدراسة حول أحد الفنون الأدائية الأمازيغية القديمة، فيما ترجم الروائي عبد السلام إبراهيم مقالة للكاتب الهندي فيكاس شارما عن تطور الرواية الهندية المكتوبة بالإنجليزية بعد الاستعمار.
عروض كتب وتوثيق للذاكرة
وفي قسم عروض الكتب، استعرض الباحث محمد ناسمي كتاب «المغرب المجهول» للأنثروبولوجي الفرنسي أوجست مولييراس، مؤكدًا قيمته الإثنوغرافية في توثيق الحياة الاجتماعية والقبلية بالمغرب في أواخر القرن التاسع عشر.
يُذكر أن مجلة «الموروث» مجلة فصلية محكّمة تُعنى بالموروث الثقافي، تصدر عن معهد الشارقة للتراث، ويرأس تحريرها الدكتور عبدالعزيز المسلّم، وتضم هيئة علمية واستشارية تضم نخبة من الأكاديميين والباحثين العرب، ما يعزز مكانتها كإحدى المجلات العربية الرصينة في مجال دراسات التراث.


















0 تعليق