فاينانشال تايمز: منصور عباس يعود إلى قلب المعادلة الإسرائيلية

الوفد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

قبل أربع سنوات، دوّن منصور عباس طبيب الأسنان العربى الهادئ وصانع الملوك السياسى غير المتوقع، لحظة فارقة فى تاريخ السياسة الاسرائيلية عندما قاد حزبه الرعام ليصبح اول حزب عربى ينضم رسميا إلى حكومة اسرائيلية، فى خطوة كسرت احتكار بنيامين نتنياهو للسلطة بعد اكثر من عقد من الهيمنة المتواصلة بحسب تحليل نشرته صحيفة فاينانشال تايمز.

وقالت الصحيفة رغم أن تلك الحكومة لم تصمد سوى عام واحد، فإن عباس يعتقد ان التاريخ قد يعيد نفسه فى انتخابات عام 2026. ومع استعداد الإسرائيليين لجولة انتخابية جديدة، يسعى زعيم الحزب الاسلامى مرة اخرى إلى لعب دور فى نظام سياسى يقوم على الائتلافات، واضعا نفسه فى موقع القادر على دفع نتنياهو نحو مقاعد المعارضة.

يقول عباس فى مقابلة مع صحيفة فاينانشال تايمز إن التصويت العربى سيكون حاسما فى الانتخابات المقبلة وقادرا على ترجيح كفة الميزان، مؤكدا ان الصوت العربى لا يمكن تجاهله فى معادلة تشكيل الحكومة.

ويضيف التحليل: غير أن طريق العودة إلى الائتلاف الحكومى يبدو اكثر صعوبة هذه المرة، فى ظل تصاعد العداء داخل المجتمع اليهودى تجاه نحو مليونى فلسطينى يحملون الجنسية الاسرائيلية، وهو توتر تفاقم بشكل حاد منذ هجوم حماس فى السابع من اكتوبر 2023، الذى اطلق موجة واسعة من الخوف والكراهية داخل اسرائيل.

ويتوقع عباس أن تحاول حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة استثمار هذا المناخ لنزع الشرعية عن الاحزاب العربية، او حتى السعى إلى حظرها قانونيا. ويرى ان هذه المحاولات ليست مجرد خطابات انتخابية، بل تهديدات حقيقية يجب التعامل معها بجدية.

وقد عزز نتنياهو هذه المخاوف الشهر الماضى عندما اشاد بمساعى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لتصنيف بعض فروع جماعة الاخوان المسلمين فى المنطقة كمنظمات إرهابية. وقد فسر تعهده باستكمال عملية حظر الاخوان المسلمين داخل اسرائيل على انه تلميح مباشر يستهدف حزب الرعام ذى الخلفية الإسلامية.

تزامن ذلك مع حملة همس فى وسائل الإعلام اليمينية الاسرائيلية، روجت دون تقديم ادلة إلى أن جمعيات خيرية مرتبطة بحزب الرعام تقدم دعما لحركة حماس. ويعتبر محللون أن هذه الهجمات تمثل مؤشرا مبكرا على انطلاق حملة انتخابية شرسة، خصوصا أن القانون ينص على إجراء الانتخابات بحلول شهر اكتوبر، مع ترجيحات بأن تجرى قبل ذلك.

وينفى عباس بشكل قاطع اى صلة لحزبه بجماعة الاخوان المسلمين، لكنه يؤكد انه لا يستخف بما يصفه بمحاولات الحكومة كسب الاصوات عبر التحريض، قائلا إنه لا يمكن التقليل من افعالهم عندما يتعلق الامر بالانتخابات.

ويضيف أن حزبه لا يملك ترف تجاهل هذه التهديدات، مشيرا إلى ان الحكومة تتصرف وكأن الدولة ملك لها وحدها، وتسعى بشكل ممنهج إلى نزع الشرعية عن العرب وإقصائهم عن الحياة السياسية، لانها لا تريد لهم اى دور مؤثر.

ويرى بعض الخبراء ان نتنياهو قد لا يذهب فعليا إلى حد حظر الاحزاب العربية، لكنهم يقرون بان مجرد التلويح بذلك يعكس تغيرا خطيرا فى المناخ السياسى. وفى حال تم اتخاذ خطوة كهذه، فسيكون على الحكومة الاعتماد إما على قوانين مكافحة الارهاب او على لجنة الانتخابات المركزية التى تصادق على المرشحين، مع امكانية الطعن فى اى قرار أمام المحكمة العليا.

فى المقابل، يحذر اخرون من الاستهانة بالتهديد، مستشهدين بتصاعد العداء اليمينى تجاه الفلسطينيين المواطنين فى اسرائيل، الذين يشكلون نحو خمس السكان، فضلا عن التغيرات التى طرأت على تركيبة المحكمة العليا، حيث باتت تضم قضاة اكثر تحفظا مقارنة بالماضى.

ويقول حسن جبارين من منظمة عدالة الحقوقية إن الوضع القانونى والسياسى اليوم مختلف تماما، وان نتنياهو يدرك جيدا ان العقبة الاساسية أمامه هى الاصوات العربية. ويضيف مسئول غربى ان ما يجرى لا يستبعد اى سيناريو، واصفا الصراع بانه معركة بلا قواعد. بحسب الصحيفة.

ولا تقتصر التحديات التى تواجه عباس على معسكر نتنياهو وحده، حيث يواجه ايضا تحفظات من شركائه السابقين فى الائتلاف. ففى مرحلة ما بعد السابع من اكتوبر، تبدو احزاب المعارضة الستة المتوقع ان تتحد لاسقاط نتنياهو مترددة، بل ومعارضة فى بعض الاحيان، لفكرة العمل مجددا مع حزب عربى.

وقد صرح أفيغدور ليبرمان زعيم احد هذه الاحزاب المحافظة بانه لن يجلس مرة اخرى فى ائتلاف يضم منصور عباس. ويستعيد المشهد تجربة ائتلاف عام 2021 الذى جمع اطيافا متناقضة من اليمين والوسط واليسار، بقيادة نفتالى بينيت ويائير لابيد، والذى حاز اغلبية هشة وواجه هجوما شرسا من نتنياهو وحلفائه، الذين اتهموه بالتحالف مع فلسطينيين معادين للصهيونية ووصفوا شركاءه العرب بانهم امتداد للاخوان المسلمين.

انهار ذلك الائتلاف بعد عام واحد، ممهدا الطريق لعودة نتنياهو على رأس حكومة يمينية متطرفة تعد الاكثر تطرفا فى تاريخ اسرائيل. ويشير محللون إلى ان بينيت، الذى يحتل حزبه الجديد حاليا المرتبة الثانية فى استطلاعات الرأى بعد الليكود، فقد جزءا من قاعدته اليمينية، ويخشى خسارة المزيد اذا عاد للتعاون مع حزب عربى.

ويضيف عباس ان نتنياهو هو من منحه الشرعية السياسية فى البداية، قبل ان ينقلب عليه لاحقا. وفى ظل نظام التمثيل النسبى الاسرائيلى، غالبا ما تتحول الاحزاب الصغيرة إلى صانعة للملوك بعد الانتخابات. وتشير استطلاعات الرأى الحالية إلى حصول احزاب المعارضة الستة على نحو 58 مقعدا مقابل حوالى 52 مقعدا لمعسكر نتنياهو.

ولا يزال من غير الواضح ما اذا كان اى من الطرفين سيتمكن من بلوغ عتبة 61 مقعدا اللازمة لتشكيل حكومة، وهو ما قد يبقى نتنياهو رئيسا للوزراء بالوكالة ويدفع البلاد إلى انتخابات جديدة، ما لم يتدخل حزب الرعام. وتشير التوقعات إلى ان الحزب الاسلامى قد يفوز بنحو خمسة مقاعد، وهو عدد كفيل بقلب موازين القوى.

ويقول خضر صويد من معهد الديمقراطية الاسرائيلى إن عباس قد يكون الورقة الرابحة، لكن المهمة باتت أصعب بكثير بعد احداث السابع من اكتوبر التى احدثت شرخا عميقا فى الثقة بين العرب والاسرائيليين، وخصوصا من الجانب اليهودى، مؤكدا ان اعادة بناء هذه الثقة تتطلب جهدا كبيرا.

ويشير إلى أن كلا المجتمعين تعرض لصدمة نفسية، فالاسرائيليون اليهود صدموا بهجوم السابع من اكتوبر، بينما عاش العرب الاسرائيليون صدمة اخرى وهم يشاهدون الدمار الهائل الذى لحق بغزة جراء الحرب الإسرائيلية، بالتوازى مع تصاعد العنصرية والمضايقات داخل إسرائيل.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق