زواج القاصرات والإيجار القديم والاعتداء على الأطفال
اغتصاب الأطفال وهتك العرض.. جرائم تتطلب تدخلاً تشريعياً فور بدء عمل البرلمان
تشديد العقوبة على المراهقين القتلة ضرورة
ثغرات قانون الإيجارات القديمة أزمة مجتمعية تبحث عن حل
فى قرى ونجوع مصرية، حيث تختلط العادات القديمة بالواقع الاجتماعى القاسى، تجلس الطفلة «مريم» أمام منزلها، بعينين تائهتين بين اللعب والواجب، وبين براءة الطفولة ومسئوليات لم يفرضها الزمن بعد. فى الصباح، كانت تلهو مع صديقاتها، وفى المساء تُخبرها أمها بأن زواجها «قد حان»، وأن ورقة صغيرة مكتوبة على عجل ستقلب حياتها رأساً على عقب. لا مأذون، لا توثيق، مجرد ورقة عرفية تفتقد لأى حماية قانونية، لكنها تكفى لإقفال باب الطفولة عليها للأبد، فى ظاهرة يندر وجودها فى أجزاء كثيرة من العالم وهى ظاهرة زواج لقاصرات
وفى زاوية أخرى من المدينة، الطفل «يوسف» لم يتجاوز الخامسة عشرة، يجد نفسه محاصراً بين أصدقاء سيئين وغياب الرقابة الأسرية، وسرعان ما يتحول إلى مرتكب سرقة مسلحة، أو اعتداء، لا يدرك بعد حجم الجريمة التى ارتكبها، لكن المجتمع بدأ يلاحقه بعين القانون والفضائح التى لا تنسى.
هذه المشاهد ليست قصصاً مفصّلة من الخيال، بل هى صور حقيقية تعكس تزايد الجرائم التى تستهدف الأطفال فى مصر، من هتك عرض وقتل وسرقة إلى ظاهرة «زواج القاصرات» التى تهدد مستقبل عدد كبير من الفتيات، وتترك حقوقهن معلقة بين سطور ورقة بلا قيمة. ورغم أن القانون يحمى الطفولة، لكنه فى كثير من الأحيان يفتقر إلى أدوات الردع الحقيقية، إلى جانب ضعف البرامج الإصلاحية، وغياب المتابعة الفعالة، وغياب التوعية الأسرية والمجتمعية.
فى هذا الواقع المعقد، يصبح السؤال الأهم: كيف نحمى أطفالنا من الوقوع فى براثن الجريمة أو الزواج المبكر غير القانوني؟ كيف نضمن لهم بيئة آمنة تحفظ كرامتهم وتعيد لهم حقوقهم؟ هذا التحقيق يرصد الظاهرة بعيون القانون والمجتمع، ويحلل أسبابها، ويقترح حلولاً عملية، ليكون صوتاً للأطفال الذين لم يُسمع صوتهم بعد، وللعائلات التى تبحث عن الأمان وسط فوضى القوانين والواقع الاجتماعى الصعب.
وفى هذا الصدد تقول المستشارة القانونية، دنيا إبراهيم، أن تزايد الجرائم التى تستهدف الأطفال وانتهاك براءتهم يستدعى تدخلاً عاجلاً لتعديل التشريعات، بحيث تُفرض أقصى العقوبات على مرتكبى جرائم هتك العرض والاغتصاب بحق الأطفال، لتصبح العقوبة واحدة لا تمييز فيها بين الجريمتين، وتشمل الإعدام أو السجن المؤبد المشدد.
وأكدت «دنيا» أن الأثر النفسى والجسدى لجريمة هتك العرض على الطفل لا يقل خطورة عن الاغتصاب، ويجب أن يُعامل القانون كلا الجريمتين بنفس الحزم والجدية، لضمان العدالة وحماية الطفولة.
وأضافت أن هذا التعديل يهدف إلى تحقيق الردع العام والخاص، ويضمن حماية الأطفال باعتبارهم الفئة الأكثر ضعفاً فى المجتمع. كما يعكس التزام الدولة بحقوق الإنسان وصون سلامة الطفولة، مؤكدًة أن أى اعتداء على طفل يُعد جريمة شنيعة تتطلب أقصى درجات الحزم القانونى.
وشددت «دنيا» على أن المجتمع والقضاء يجب أن يكونا خط الدفاع الأول ضد أى انتهاك لبراءة الأطفال، لضمان بيئة آمنة لهم ومجتمع يحترم كرامتهم وحقوقهم.
وأكدت دنيا إبراهيم أن تصاعد الجرائم التى تستهدف الأطفال وانتهاك براءتهم يستدعى تعديل التشريعات لتشديد العقوبات على مرتكبى جرائم هتك العرض والاغتصاب بحق الأطفال، بحيث تصبح العقوبة موحدة بين الجريمتين وتشمل الإعدام أو السجن المؤبد المشدد، مؤكدة أن الأثر النفسى والجسدى لجريمة هتك العرض على الطفل لا يقل خطورة عن جريمة الاغتصاب، ويجب أن يعامل القانون كلتا الجريمتين بنفس الحزم والجدية لضمان العدالة وحماية الطفولة. وأضافت أن هذا التعديل يهدف إلى تحقيق الردع العام والخاص وحماية الأطفال باعتبارهم الفئة الأكثر ضعفاً فى المجتمع، مؤكدًة أن أى اعتداء على طفل يُعد جريمة شنيعة تتطلب أقصى درجات الصرامة القانونية.
وفى سياق متصل، شددت «دنيا» على أن زواج القاصرات يُعد انتهاكاً صارخاً لحقوق الطفل ويخالف القوانين الوطنية والدولية التى تهدف إلى ضمان نشأة الأطفال فى بيئة آمنة ومستقرة. وأوضحت أن القانون المصرى يمنع زواج الفتيات أو الفتيان دون سن 18 عاماً، وهو جريمة يعاقب عليها قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 (المادة 31 مكرر) بعقوبات صارمة تشمل الحبس والغرامة لكل من يشارك فى الجريمة، سواء الزوج أو المأذون أو ولى الأمر.
وأكدت «دنيا» أن العقوبة ليست مجرد إجراء قانونى، بل رسالة واضحة للمجتمع بعدم التسامح مع أى ممارسات تعرض الأطفال لخطر فقدان طفولتهم وحقوقهم الأساسية، وحذرت من أن زواج القاصرات لا يحرم الفتاة من حقها فى التعليم والتطور فحسب، بل يعرضها لمخاطر صحية ونفسية واجتماعية جسيمة، مشددة على ضرورة تطبيق العقوبات بصرامة وزيادة الوعى المجتمعى للقضاء على هذه الظاهرة وحماية حقوق الأجيال القادمة.
أزمة الإيجار القديم
من جانبه، قال المستشار القانونى أحمد زكريا، إن أزمة الإيجار القديم فى مصر تمثل ملفاً اجتماعياً واقتصادياً معقداً، لافتاً إلى أن ملايين الأسر والملاك مرتبطون بهذا النظام منذ عقود، ورغم التعديلات القانونية المتتالية إلا أن المشكلات ما زالت قائمة نتيجة تضارب المصالح وتراكم الخلافات عبر الزمن.
وأوضح «زكريا» أن جذور المشكلة تعود إلى منتصف القرن الماضى، عندما أُنشئ نظام الإيجار القديم لحماية المواطنين من ارتفاع أسعار السكن، وتثبيت القيمة الإيجارية مع حق ورثة المستأجر فى الاستمرار. ومع مرور السنوات تغيّرت الظروف الاقتصادية جذرياً، بينما ظل القانون ثابتاً، ما أدى إلى فجوة كبيرة بين القيمة الإيجارية الفعلية وسعر السوق الحالى.
وأشار إلى أبرز المشكلات التى يواجهها الملاك، مثل ضعف القيمة الإيجارية التى لا تكفى أحياناً لصيانة العقار، وصعوبة استعادة العين المؤجرة التى قد تتطلب سنوات طويلة من التقاضى، إضافة إلى توقف الاستثمار العقارى فى بعض المناطق القديمة نتيجة انخفاض العائد المالى.
فيما يتعلق بالمستأجرين، قال زكريا إنهم يشعرون بالقلق من أى تعديل قد يلغى حقوقهم، ويخشى البعض أن يكون الهدف إخراجهم من منازلهم، خاصة فى ظل ارتفاع أسار الشقق الحالية، ما يجعل الانتقال إلى إيجار جديد شبه مستحيل لمحدودى الدخل.
وأوضح أن استمرار الأزمة يرجع إلى غياب حل وسط يرضى الطرفين، والتفاوت الكبير بين الحالات المختلفة، إضافة إلى تهالك عدد من العقارات نتيجة الإيجارات المنخفضة وعدم القيام بالصيانة اللازمة، ما أصبح يشكل خطراً على السلامة الإنشائية.
وحول الحلول المقترحة، أشار زكريا إلى ضرورة التحرير التدريجى للإيجار القديم على سنوات، مع مراعاة الحالات الاجتماعية، وإنشاء صندوق دعم للمستأجر غير القادر، وتقدير القيمة الإيجارية بشكل عادل وفقاً للمساحة والموقع، وتشجيع الملاك على الإصلاح من خلال حوافز، وتعويض الطرفين قانونياً لضمان عدم ظلم أى منهما.
وعن الدور المرتقب لمجلس النواب، قال زكريا إن التشريع المنتظر يهدف إلى وضع قانون حديث يوازن بين حق المالك فى ملكه وحق المستأجر فى السكن المستقر، مع زيادة تدريجية للإيجارات القديمة على مدار سنوات، ووضع نسب ثابتة للزيادة السنوية، وتحديد جدول للوصول إلى قيمة عادلة للطرفين.
وأضاف أن البرلمان يجب أن يحدد المستأجرون الذين يحتاجون حماية اجتماعية فعلية، ويوفر دعماً أو بدائل لمن لا يستطيعون تحمل الزيادات، ويضع قواعد جديدة للامتداد القانونى، مع إلزام الملاك بالصيانة وربط أى زيادة بإصلاح العقار، مع توفير فترة انتقالية آمنة تتراوح بين 3 إلى 5 سنوات لمنع الإخلاء المفاجئ، ووضع آليات حماية لكبار السن وذوى الدخل المحدود، مع الفصل بين الوحدات السكنية والتجارية لتسهيل إدارة التشريع وتحقيق العدل.
وأكد زكريا أن جرائم الأطفال فى مصر تمثل قضية قانونية واجتماعية متشابكة، مشيراً إلى أن الأخبار المتزايدة عن اعتداءات وسرقات وجرائم عنيفة أحياناً تصل إلى القتل أو الاعتداء الجنسى تثير قلق المجتمع، لكنها أيضاً تضعف الثقة فى فاعلية القانون الحالى فى الردع.
وأوضح أن قانون الأحداث رقم 126 لسنة 2018 يميز بين الأطفال دون سن 12 عاماً، والأطفال بين 12 و18 عاماً، ويعتمد العقوبات الإصلاحية بدل العقاب التقليدى، مثل المراقبة والعمل الاجتماعى والتدريب التعليمى، إضافة إلى إنشاء مراكز إصلاحية تحت إشراف وزارة التضأمن الاجتماعى، مع حماية حقوق الضحايا والتعويض عن الضرر. لكنه أشار إلى أن القانون لا يحدد سقفاً واضحاً للعقوبات فى الجرائم البشعة مثل القتل العمد أو الاعتداء الجنسى، ما يشكل ثغرة قانونية تقلل من الردع الفعلى.
وأكد زكريا أن القانون الجنائى المصرى ينص على عقوبات القتل العمد، والاعتداء الجنسى، والسرقة المسلحة، لكن تعديل العقوبة للأطفال حسب سنهم لا يضمن بالضرورة حماية المجتمع من الجرائم الكبيرة بسبب غياب سقف أقصى واضح.
ولفت إلى أبرز التحديات فى التطبيق، منها ارتكاب الأطفال جرائم شديدة البشاعة، وضعف مراكز الإصلاح التى تقدم برامج محدودة أحياناً دون دعم نفسى أو تعليمى، وغياب الرقابة الأسرية والمدرسية، بالإضافة إلى عدم حفظ حقوق الضحايا بالكامل فى بعض الحالات، ما يخلق شعوراً بالظلم.
واقترح زكريا أن يقوم المشرع بتحديد أقصى عقوبة للجرائم الخطيرة مع مراعاة سن الطفل، وتفصيل العقوبات حسب نوع الجريمة، وإنشاء آليات متابعة فعّالة لضمان تنفيذ العقوبات الإصلاحية، ومساءلة الأسرة فى حال الإهمال، وتحديث مراكز الإصلاح لتقديم برامج تعليمية ونفسية ومهنية، إضافة إلى تسجيل رسمى لجميع الأحداث لتسهيل متابعة السلوك بعد الإصلاح.
وأكد أن دور المجتمع والأسرة لا يقل أهمية عن القانون، مشيراً إلى ضرورة متابعة الأبناء، وتعليمهم القيم والمسئولية، والتعاون مع المجتمع المدنى والجمعيات الحقوقية، وتنفيذ حملات إعلامية لنشر المعلومات القانونية وعقوبات الجرائم، وإنشاء خطوط ساخنة للإبلاغ عن الجرائم بشكل أمن، لضمان حماية المجتمع وإعادة دمج الطفل الجانى بطريقة سليمة.
واستشهد زكريا بحالات واقعية مثل طفل 15 سنة ارتكب جريمة قتل عمد، وآخر 14 سنة قام بسرقة مسلحة، موضحاً أن عدم وجود سقف أقصى للعقوبة وبرامج إصلاحية غير مكتملة أدى إلى عودة بعض الأطفال للجريمة بعد الخروج، مؤكداً على أن هذه الأمثلة توضح أهمية تعديل القانون وتطوير مراكز الإصلاح لمواجهة الجرائم البشعة وحماية المجتمع.
وأوضح المستشار القانونى أحمد زكريا أن زواج القاصرات يُعد ظاهرة خطيرة فى القرى والنجوع، حيث يتم تزويج فتيات قاصرات دون توثيق رسمى ودون إشراف مأذون شرعى، ويكتفى أهالى الطرفين بورقة عرفية لا قيمة قانونية لها. وأضاف زكريا أن هذه العلاقة لا تُعتبر زواجاً شرعياً أو قانونياً، وأى حقوق مالية أو اجتماعية للفتاة فى هذه الحالة غير محمية، وعند حدوث حمل أو رفض الزوج الاعتراف، تواجه الفتاة جويلة طويلة ومعقدة فى المحاكم لإثبات النسب.
وأشار زكريا إلى أن القانون المصرى يحمى الأطفال، إذ تمنع المادة 31 مكرر توثيق الزواج لمن لم يبلغ 18 عاماً، وتجرم المادة 80 من قانون الطفل أى فعل يعرّض الطفل للخطر، بما فى ذلك الزواج المبكر، فيما تشدد المادة 116 مكرر على العقوبة إذا كان مرتكب الجريمة مسئولاً عن رعاية الطفل.
وحذر زكريا من استمرار انتشار هذه الظاهرة نتيجة الفقر والعادات القديمة والجهل بالقانون، مؤكداً أن الورقة العرفية لا تحقق ستراً، بل تخلق مشاكل أكبر. ودعا الأسر والمجتمع إلى التوعية وحماية الفتيات، مشدداً على أن إنهاء هذه الظاهرة يحتاج إلى وعى كامل وتطبيق صارم للقوانين.
















0 تعليق