قالت دار الإفتاء المصرية إن الشرع الشريف أباح التيمم من الجنابة للصلاة في البرد الشديد عند عدم وجود وسيلة لتسخين الماء؛ خوفًا من حصول الأذى والمرض إذا اغتسل بالماء البارد، مع وجوب الغسل وقت تمكنه منه.
مبنى الشريعة الإسلامية على التيسير ورفع الحرج
وأوضحت الإفتاء أن الشريعة الإسلامية جاءت بالتَّيسير ورفع الحرج عن المكلفين؛ فقال تعالى: ﴿مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [المائدة: 6]، وقال تعالى: ﴿يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185]، وأناطت التكليف بالاستطاعة؛ فقال تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286]، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» متفق عليه.
وأضافت الإفتاء أن من مظاهر التَّيسير ورفع الحرج في الشريعة: أن جُعل التيممُ عِوَضًا عن الماء في التطهر لاستباحة ما لا يُستباح إلا بالطهارة؛ من صلاةٍ أو تلاوةِ قرآنٍ أو سجودِ تلاوةٍ أو نحوها، وذلك عند عدم وجود الماء أو العجز عن استعماله مع توفره لمرضٍ أو خوف أو نحو ذلك؛ كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ [المائدة: 6].
التيمم
قال البرهان إبراهيم الحلبي: [التيمم إنما يجوز ويعتبر في الشرع عند عدم الماء حقيقةً أو حكمًا] اهـ نقلًا عن "منحة الخالق" للعلامة ابن عابدين (1/ 159، ط. دار الكتاب الإسلامي).
وقال العلامة الزرقاني في "شرحه على الموطأ" (1/ 224، ط. مكتبة الثقافة الدينية): [وقال مالك في الرجل الجنب: إنه يتيمم ويقرأ حزبه من القرآن ويتنفل) تبعًا للفرض بعده (ما لم يجد ماء) فإن وجده مُنِعَ حتى يغتسل (وإنما ذلك في المكان الذي يجوز له أن يصلي فيه بالتيمم) وهو عدم الماء حقيقةً، أو حكمًا وهو عدم القدرة على استعماله] اهـ.
بيان كيفية التيمم
وكشفت الإفتاء عن كيفية التيمم، موضحة أن التيمم هو أن يضرب الـمُحدِث بباطن كفيه على الصعيد الطاهر ضربتين: ضربة يمسح بها وجهه، وضربة لليدين ويمسحهما إلى المرفقين؛ اليمنى باليسرى، واليسرى باليمنى؛ كما قال تعالى في بيان صفة التيمم: ﴿فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ﴾ [المائدة: 6].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ: ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ، وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ» أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"، والدارقطني والبيهقي في "السنن"، والحاكم في "المستدرك".
التيمم عند فقد الماء أو عدم القدرة على استعماله
واتفق الفقهاء على أن التيمم مشروع عند فقد الماء أو عدم القدرة على استعماله عند وجوب الغسل من جنابة أو حيض أو نفاس، وكذا عند وجوب الوضوء من الحدث الأصغر، ونقل بعضهم الإجماع على ذلك:
جاء في "فتاوى قاضيخان" للعلامة الفرغاني [ت:592هـ] (1/ 54، ط. دار الكتب العلمية): [ويجوز التيمم للحدث والجنابة والحيض عند عامة العلماء] اهـ.
وقال الإمام ابن عبد البر في "الاستذكار" (1/ 303، ط. دار الكتب العلمية): [وأجمع العلماء بالأمصار بالمشرق والمغرب -فيما علمتُ- أن التيمم بالصعيد عند عدم الماء: طهورُ كل مسلم مريض أو مسافر، وسواء كان جنبًا أو على غير وضوء] اهـ.
وقال الإمام النووي في "شرحه على صحيح مسلم" (4/ 57، ط. دار إحياء التراث العربي): [وأجمع العلماء على جواز التيمم عن الحدث الأصغر، وكذلك أجمع أهل هذه الأعصار ومَن قبلهم على جوازه للجنب والحائض والنفساء، ولم يخالف فيه أحدٌ من الخَلَف ولا أحدٌ من السَّلَف، إلا ما جاء عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما، وحكي مثله عن إبراهيم النخعي الإمام التابعي، وقيل: إن عمر وعبد الله رَجَعَا عنه، وقد جاءت بجوازه للجنب الأحاديث الصحيحة المشهورة] اهـ.


















0 تعليق