الناقد الذي ظلمه التاريخ

الوفد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الخميس 25/ديسمبر/2025 - 06:16 م 12/25/2025 6:16:38 PM

كنت أجلس مع صديق عزيز وهو كاتب وناقد سينمائي من جيل أصغر من جيلي، وتبادلنا أطراف الحديث حول النقد السينمائي في مصر، وفجأة سأني سؤالا لم يخطر على بالي من قبل، وهو "من هو الناقد الذي تعتقد أنه ظلم؟ فقلت ضاحكا على الفور: أنا طبعا... لكن الأمر لم يعدو بالطبع مزحة، فلا أنا ظلمت، ولا عندي أدنى شعور بالظلم. فكل ما اتخذته في حياتي هو من اختياري دون أن أنتظر شيئا من أحد. 
فكرت بعض الشيء في السؤال الغريب، ثم توقفت مع صديقي، أمام تجربة الصحفي والناقد الكبير سعد الدين توفيق الذي رحل مبكرا عن حياتنا. 
كان سعد الدين توفيق ناقدا صحفيا مؤثرا، تعلم جيل كامل من السينمائيين والنقاد على يديه معنى السينما وأهميتها، وعرفوا الكثير عن تاريخها من خلال مقالاته التي كانت تنشر في الستينيات أسبوعيا في مجلة "الكواكب" في عصرها الذهبي، أي عندما كانت تعتبر المجلة الفنية والسينمائية الأولى في العالم العربي، كما كانت مقالاته الأكثر دسامة، تنشر شهريا في مجلة "الهلال" التي كان يكتب فيها كبار الكتاب والنقاد والمفكرين والفلاسفة من أبناء عصره.
كان يتميز بأسلوبه الجذاب، ولغته السلسة، وكان يحلل الأفلام بعمق وبساطة ولم يكن يتردد أو يتراجع أمام انتقاد أفلام لكبار السينمائيين إذا ما وجد أنها لا ترقى إلى مستوى سمعة هؤلاء السينمائيين.
وقد أصدر سعد الدين توفيق عدة كتاب من أهمها "قصة السينما في مصر" الذي يعد أول محاولة جادة لكتابة تاريخ السينما المصرية، كما ضمنه فيلموغرافيا أولية استعان بها فيما بعد الكثير من النقاد وقاموا بتطويرها. 
إلا أن دور وتاريخ سعد الدين توفيق تم تجاهله تماما، بل ويتجنب "نقاد المؤسسة " أي الذين احتفلت ومازالت تحتفل بهم المؤسسات الرسمية في مصر، سواء في تصريحاتهم أو مطبوعاتهم، التي تتعرض لتاريخ النقد السينمائي في مصر، أي ذكر لسعد الدين توفيق، بل إن البعض تجرأ على الحديث عن حركة النقد فقال كلاما يعني أنه وأبناء جيله هم المؤسسون الحقيقيون للنقد الحديث وأنه قبلهم لم يكن هناك من يمكن أخذ ما يكتبه على محمل الجد!
ترجم سعد الدين توفيق كتاب "قصة السينما في العالم: من الفيلم الصامت إلى السينيراما" للمؤرخ الأمريكي آرثر نايت، وهو مرجع هام في تاريخ السينما العالمية.
وكان أول ناقد يصدر كتابا كاملا عن مخرج سينمائي مصري هو كتاب "فنان الشعب صلاح أبو سيف" تناول فيه كل أفلام أبو سيف حتى وقت صدور الكتاب كما استعرض تفصيلا حياة المخرج الراحل الكبير. 
إلا أن سعد الدين توفيق لم يكن من الجيل الذي انضم للجمعيات السينمائية مثل جمعية السينما الجديدة، كما لم يعرف عنه تبعيته لاتجاه سياسي معين من الاتجاهات التي كانت سائدة في عصره والتي ساهم أصحابها في "تلميع" صورة بعض النقاد الذين ظهروا بعده وأتاحوا لهم الفرصة للسفر إلى المهرجانات السينمائية الدولية بينما لم يسافر سعد الدين توفيق خارج مصر كثيرا ربما باستثناء ذهابه بعض المرات إلى مهرجان موسكو.
توفي سعد الدين توفيق مبكرا عن 57 عاما بنوبة قلبية في أواخر السبعينيات. ولم يحصل رغم تميزه ودوره الريادي في النقد السينمائي، على أي تكريم، ولم تطبع أي جهة، بما في ذلك دار الهلال التي عاش ومات وهو يعمل لحساب مطبوعاتها، كتاباته في كتب أسوة بنقاد آخرين، كما لم يتذكره القائمون على المهرجان القومي للسينما المصرية في أي دورة من الدورات الماضية ولو حتى بإصدار كتيب عنه. وهكذا يكون سعد الدين توفيق قد ظلم حيا وميتا.
والسؤال الآن: هل ينتبه أحد إلى دور ومكانة سعد الدين توفيق بجمع مقالاته وإصدارها في كتب، بل وإعادة نشر كتبه الثلاثة المهمة للغاية؟

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق