وجهنا الحبيب المصطفي -صلى الله عليه آله وسلم- بأن حقوق الطفل لا تبدأ بعد ولادته، بل تبدأ من اختيار الزوجة الصالحة؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- قال: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا؛ فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ» [متفق عليه]، فالأم هي المدرسة الأولى.
حقوق الطفل
ومن أرقى صور الرحمة التي شرعها الإسلام للطفل، تلك التي تبدأ قبل أن يُخلق حين يُعلِّمنا النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أن من حقه علينا أن نبدأه بدعاء طاهر عند الجماع، فيقول -صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِىَ أَهْلَهُ فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِى ذَلِكَ لَمْ يَضُرُّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا» [رواه البخاري]، فهذا الدعاء ليس مجرد لفظ، بل هو استفتاح لحياة نقية، تُصان من وساوس الشر، وتُبارك من أول لحظة، ثم إذا خرج إلى الدنيا، كان له حق في التعليم والتأديب، فيُعلَّم على سبع، ويُؤدَّب على عشر، ويُفرَّق بينه وبين إخوته في المضاجع.
ورد عن عمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» [رواه أبو داوود، وأحمد، والدر قطني، والبيهقي] وأمر النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لا قسوةً بل تهذيبًا، ولا إهمالًا بل تربية.
حق الطفل
كما إن التربية لا تكون بالقسوة، بل بالحب والاحتواء كما كان النبي -صلى الله عليه وآله وسلم - يفعل مع - سيدنا الحسن والحسين - رضي الله عنهما - فيُطيل السجود إذا ركب أحدهما على ظهره، ويقول -صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي، فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ» (رواه النسائي، وأحمد)، ومن الحقوق النفسية للطفل أن يُشعر بالأمان، ويُحترم رأيه، ويُحمى من العنف، ويُربَّى على الثقة بالنفس، لا على الخوف والذل، وقد أثبتت الدراسات النفسية أن الطفل الذي يُربَّى في بيئة آمنة، مليئة بالحب والاحترام، يكون أكثر قدرة على التعلم، والإبداع، والتواصل، فعلينا أن نأخذ بهذه القاعدة الذهبية في المصاحبة: "لاعب ابنك سبعًا، وأدِّبه سبعًا، وصاحبه سبعًا"، مما يُبرز أهمية المصاحبة في بناء الشخصية.
وحين يبلغ مرحلة المراهقة، لا يُقصى ولا يُزجر، بل يُصاحب ويُحتوى، ويُفتح له باب الحوار، ويُربَّى على الرجولة والكرامة، لا على التسلط أو التهميش، إنها مراحل متكاملة، تُرسم بخيوط الرحمة، وتُغزل بخيوط الحكمة، وتُثمر إنسانًا سويًّا، نافعًا لنفسه وأهله وأمته، فيا أيها المربِّي، ويا أيتها الأم، لا تستهينوا بهذه الحقوق، فإنها مفاتيح السعادة في الدنيا، ومنازل القرب في الآخرة.
حقوق الطفل ليست رفاهية
ومن المؤكد أن حقوق الطفل ليست رفاهية، بل هي واجب شرعي، وأمانة ثقيلة في أعناقنا، منذ لحظة النية وحتى مرحلة المصاحبة، يُرشدنا الإسلام إلى تربية متكاملة تُثمر إنسانًا سويًّا، فلنُربِّي أبناءنا على الرحمة، والكرامة، والإيمان، كما ربَّى سيدنا النبي -صلى الله عليه وآله وسلم - سيدنا الحسن والحسين - رضي الله عنهما - فهم غرس اليوم، وثمرة الغد، وميراث الأمة الذي لا يُشترى ولا يُعوَّض.
















0 تعليق