في ظل تصاعد الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي حول جودة اللحوم الحمراء المتداولة في الأسواق، وازدياد المخاوف لدى المواطنين من احتمالات الغش أو عدم الصلاحية، برز ملف الرقابة البيطرية على اللحوم كأحد القضايا المرتبطة مباشرة بالأمن الغذائي والصحة العامة، خاصة في ظل الضغوط الاقتصادية وارتفاع الأسعار، وهو ما يدفع بعض المستهلكين إلى البحث عن البدائل الأرخص دون التحقق من مصدرها.
وبين التحذيرات المتداولة والشائعات غير الموثقة، تجد الجهات الرسمية نفسها أمام اختبار مستمر لاستعادة ثقة المواطن وطمأنته بشأن سلامة الغذاء الذي يصل إلى مائدته، في وقت يرى الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن إجمالي أعداد رؤوس الماشية والحيوانات بلغ نحو 8.1 مليون رأس عام 2024 بزيادة 6.7% عن العام السابق، في حين ارتفع إجمالي اللحوم المنتج من الذبائح إلى حوالي 754 ألف طن بنمو 16% مقارنة بعام 2023، في حين بلغ إنتاج لحوم الطيور والدواجن نحو 2.4 مليون طن، وهو ما يعكس نموًا في القدرة الإنتاجية المحلية رغم التحديات القائمة.
الختم البيطري.. الضمانة الأساسية لسلامة اللحوم
وفي هذا الإطار، أكد الدكتور الحسيني محمد، المتحدث الرسمي باسم الطب البيطري بالمركز الإعلامي لوزارة الزراعة، أن الوضع الصحي والرقابي داخل الأسواق المصرية مستقر، ولا توجد مؤشرات على وجود أزمة أو انتشار لحوم غير صالحة للاستهلاك الآدمي داخل المنافذ الخاضعة للإشراف الرسمي، مشيرًا إلى أن الحملات التفتيشية البيطرية تُنفذ بشكل دوري ومكثف على مستوى الجمهورية، وتشمل جميع مراحل تداول اللحوم بداية من المجازر وحتى منافذ البيع النهائية.
وأوضح أن الهيئة العامة للخدمات البيطرية تعتمد على منظومة رقابية متكاملة لا تقتصر فقط على المرور التفتيشي على محلات الجزارة، وإنما تمتد لمتابعة عمليات الذبح داخل المجازر المعتمدة والتأكد من سلامة إجراءات النقل والتخزين، بما يضمن الحفاظ على جودة اللحوم وعدم تعرضها لأي تلوث أو فساد قبل وصولها إلى المستهلك.
وأشار إلى أن هذه الحملات تأتي في إطار جهود الدولة لتعزيز الأمن الغذائي، خاصة وأن مصر تنتج نحو 60% من احتياجاتها من اللحوم الحمراء محليًا وتقترب من تحقيق الاكتفاء الذاتي الكامل في الدواجن، في حين تسعى الدولة إلى زيادة هذه النسب عبر دعم الثروة الحيوانية وتحسين سلالات الإنتاج.
وفي الإشارة إلى النتائج الميدانية لهذه الحملات، أعلنت مديريات الطب البيطري في محافظات عدة عن ضبط كميات كبيرة من اللحوم والدواجن غير الصالحة، ففي محافظة الجيزة وحدها تم ضبط 42 طنًا من اللحوم والدواجن الفاسدة خلال ثلاثة أسابيع من حملات مكثفة، كما أعلنت وزارة الزراعة ضبط أكثر من 122 طنًا من اللحوم والدواجن والأسماك الفاسدة في حملة شاملة خلال شهر يونيو، فيما أكدت تقارير أخرى ضبط نحو 372 طنًا من المنتجات غير الصالحة خلال شهر أغسطس، وهو ما يعكس استمرار جهود الرقابة، رغم أن هذه الأرقام تمثل نسبًا ضئيلة مقارنة بالإجمال الكلي للإنتاج لكنها تؤكد وجود تحديات تتطلب متابعة مستمرة.
وشدد المتحدث الرسمي على أن الدولة لا تتهاون مع أي ممارسات تمثل خطرًا على الصحة العامة، موضحًا أن ضبط لحوم غير مختومة بيطريًا أو مخالفة للاشتراطات الصحية يُقابل باتخاذ إجراءات قانونية حاسمة، تصل إلى الغلق والتحويل للنيابة، مؤكدًا أن الرقابة لا تستهدف التضييق على التجار بقدر ما تستهدف حماية المستهلك وضمان التزام السوق بالقواعد المنظمة، في ظل سوق يضم ملايين الطن من المنتجات الحيوانية سنويًا.
وفيما يتعلق بدور المواطن، أشار الدكتور الحسيني محمد إلى أن الوعي الاستهلاكي يمثل عنصرًا أساسيًا في منظومة سلامة الغذاء، مؤكدًا أن الختم البيطري يظل العلامة الفارقة التي لا يجب تجاهلها عند شراء اللحوم الحمراء، باعتباره الدليل الوحيد على أن الذبيحة خضعت للفحص داخل مجزر مرخص وتحت إشراف أطباء بيطريين متخصصين.
وأوضح أن غياب هذا الختم يعني خروج اللحوم عن المنظومة الرسمية، وهو ما يعرض المستهلك لمخاطر صحية، داعيًا إلى التعامل فقط مع محلات معروفة وموثوقة والابتعاد عن العروض غير المنطقية أو الأسعار المنخفضة بشكل لافت.
وامتد الحديث إلى ملف الدواجن، حيث أوضح المتحدث باسم الطب البيطري أن شراء الدواجن المذبوحة يتطلب التأكد من تاريخ الصلاحية وسلامة العبوة، وأن الذبح تم داخل مجزر مرخص وتحت إشراف بيطري كامل، بينما يتطلب شراء الدواجن الحية ملاحظة الحالة الصحية للطائر، من حيث النشاط واليقظة ولمعان الريش ولونه الطبيعي، إلى جانب لون العرف الذي يعكس الحالة الصحية العامة قبل الذبح، مشددًا على أن إهمال هذه المؤشرات قد يعرض المستهلك لمخاطر صحية، خاصة في ظل ضغوط اقتصادية تؤثر على سلوكيات الشراء.
وفي ختام تصريحاته، أكد الدكتور الحسيني محمد أن أجهزة الدولة تعمل على مدار الساعة لضمان توفير غذاء آمن للمواطنين، داعيًا المواطنين إلى عدم الانسياق وراء الشائعات المتداولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والاعتماد فقط على البيانات الرسمية الصادرة عن الجهات المختصة، مع الالتزام بقواعد الشراء السليم باعتبارها خط الدفاع الأول لحماية الصحة العامة، في وقت تظل فيه سلامة الغذاء مسؤولية مشتركة بين الدولة والمواطن على حد سواء.















0 تعليق