فاز د.أحمد جمال عيد بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي المعاصر، في دورتها السادسة عشرة عن بحثه المقدم تحت عنوان "الذاكرة البصرية.. التراث العربي في تجليات الفن التشكيلي المعاصر" وحول هذا الفوز التقت “الدستور” الفنان والناقد التشكيلي المصري وكان هذا الحوار.
فزت بجائزة البحث النقدي التشكيلي.. كيف ترى هذه الجائزة وتأثيرها؟
الجائزة، في جوهرها، ليست مجرد درع أو شهادة تُعلّق على الحائط، بل هي لحظة اعتراف ثقافي ومعرفي، تُعيد ترتيب علاقة الكاتب بما أنجزه، وبما لم ينجزه بعد. وجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي، في دورتها السادسة عشرة، تمثل بالنسبة لي محطة فارقة، ليس فقط على مستوى التقدير المؤسسي، وإنما على مستوى الرؤية النقدية التي تسعى الجائزة إلى ترسيخها داخل المشهد الفني العربي.
كيف ترى أهمية هذه الجائزة لك كفنان تشكيلي؟
هذه الجائزة تنتمي إلى نوع نادر من الجوائز التي لا تحتفي بالمنتج الفني وحده، بل بالفكر الكامن خلفه، وبالتحليل النقدي القادر على تفكيك الظواهر الجمالية وربطها بالسياق الحضاري والتاريخي. ومن هنا، تأتي أهميتها؛ فهي لا تكافئ الإبداع بوصفه مهارة شكلية، بل باعتباره ممارسة معرفية واعية. وهذا ما يجعل الفوز بها مسؤولية مضاعفة بقدر ما هو تكريم.
بالنسبة لي شخصيًا أضافت الجائزة بعدًا جديدًا لعلاقتي بالكتابة النقدية. فهي منحتني يقينًا بأن الاشتغال على قضايا الهوية البصرية والتراث العربي داخل الفن التشكيلي المعاصر ليس ترفًا نظريًا، بل حاجة ثقافية حقيقية. كما أكدت لي أن الرهان على البحث العميق، واللغة التحليلية المنضبطة، ما زال له مكان في زمن السرعة والاستهلاك البصري السريع، رغم أن هذا الزمن أحيانًا يتعامل مع النقد وكأنه “زيادة وزن” لا داعي لها.
وكيف ترى تأثير الجوائز على الكتاب؟
تأثير الجوائز على الكاتب، في تقديري، ليس تأثيرًا واحدًا ولا بسيطًا. هناك تأثير إيجابي واضح يتمثل في تعزيز الثقة، وفتح مساحات أوسع للحوار والنشر والتأثير. لكنها في الوقت ذاته قد تتحول إلى فخ إذا تعامل معها الكاتب باعتبارها نقطة وصول لا بداية جديدة. الجائزة الحقيقية، في رأيي، هي التي تدفعك إلى أن تكون أكثر قلقًا، أكثر حرصًا، وأكثر صرامة مع نفسك. لأنها تضعك أمام سؤال صعب: ماذا بعد؟
ماذا عن العمل الفائز بالجائزة؟
أما عن العمل الفائز، “الذاكرة البصرية: التراث العربي في تجليات الفن التشكيلي المعاصر”، فهو محاولة لقراءة الفن العربي المعاصر خارج ثنائية القطيعة والتقليد. يناقش الكتاب كيف يتسلل التراث، بوصفه ذاكرة بصرية جمعية، إلى الأعمال الفنية المعاصرة ليس كعنصر زخرفي أو استدعاء نوستالجي، بل كبنية فكرية وجمالية يتم إعادة تفكيكها وإنتاجها. العمل لا يدافع عن التراث بوصفه “مقدسًا”، ولا يهاجمه باعتباره “عبئًا”، بل يتعامل معه كمادة حية قابلة للتأويل، وإعادة الصياغة، والمساءلة.
تناقش مفهوم الهوية.. ماذا عنه؟
الكتاب يناقش كذلك تحولات الخطاب البصري العربي في ظل العولمة، والتكنولوجيا، وتغير مفهوم الهوية، ويطرح تساؤلات حول العلاقة بين المحلي والكوني، وبين الذاكرة والابتكار. وهو في هذا الإطار لا يقدم إجابات جاهزة، بقدر ما يفتح مساحات للتفكير النقدي، وهو ما أعتبره الدور الحقيقي لأي عمل نقدي.
ما هو المشروع الذي تعمل عليه حاليا؟
أما عن مشروعي الحالي، فأنا أعمل في الوقت الراهن على كتاب نقدي جديد يتناول الفن التشكيلي في عصر الذكاء الاصطناعي، من زاوية فلسفية وبصرية في آن واحد. العمل لا ينشغل بسؤال “هل الذكاء الاصطناعي يقتل الإبداع؟” بقدر ما يناقش كيف يُعاد تعريف مفهوم الإبداع ذاته في ظل الخوارزميات، والصورة المولدة، وتغير دور الفنان من صانع إلى مُنسّق أو مُوجّه. الكتاب يحاول تفكيك العلاقة المعقدة بين الإنسان، والآلة، والخيال، دون انبهار ساذج أو رفض أخلاقي متسرع.
ما الذي تود قوله في النهاية؟
في النهاية، أؤمن أن الجائزة الحقيقية لأي كاتب أو ناقد هي أن يظل في حالة اشتباك معرفي دائم مع أسئلته، ومع واقعه، ومع زمنه. وجائزة الشارقة، بالنسبة لي، ليست خاتمة جميلة، بل فاصلة تفرض عليّ أن أكتب أفضل، وأفكر أعمق، وأقلّ اطمئنانًا. وهذا، في رأيي، أفضل ما يمكن أن تمنحه جائزة لكاتب
















0 تعليق