قراءة فى عقل ملحد

الوفد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الأحد 14/ديسمبر/2025 - 07:48 م 12/14/2025 7:48:43 PM


ابتسم صديقى الملحد قائلًا لى أريدك أن تفكر فيما أقوله لك ومن دون أفكار أو مسلمات مسبقة وستجد أن ما أقوله له وجاهة من حيث العقل والمنطق، بالطبع احتدم النقاش بيننا وطال أمده ثم افترقنا وكلٌ له قناعته التى لا يتزحزح عنها، وإن كان هذا الاختلاف الجوهرى لا يفسد علاقة الصداقة بيننا قيد أنملة!! فنبراس المناقشة بيننا هو الاعتدال دون تشنج، بل بيان الرأى والحجة والمنطق بتحضُّر وإنسانية، فبعيدًا عن إلحاده هذا، الذى أعده نقيصة فكرية جوهرية، وعن إيمانى بالخالق، الذى يعتبره صديقى وهمًا لا وجود له، فإن الاحترام المتبادل بيننا هو عنوان صداقتنا وأنا فى هذا الصدد لا أدعى الشجاعة لإبرازى صداقتى به بل أسعى بالتأكيد لإبراز الحقيقة المطلقة، والشاهد هنا أنه رغم اختلافى فكريًا معه قلبًا وقالبًا إلا أنه سيظل صديقى اللدود الذى فى خِضَم مناقشاتى معه أصيح فى وجهه: «يا خسارتك فى الإلحاد يا صديقي».
كل مرة أغادر صديقى هذا يستغرقنى التفكير متسائلًا: لماذا ألحد صديقى هذا ويلحد غيره الكثيرون، فوفقًا للإحصائيات الرسمية، فإن عدد الملحدين فى مصر وفقًا لدار الإفتاء المصرية عام 2014 يقدر بعدد 866 ملحدًا مصريًّا، فيما تذكر مصادر غير رسمية بأنه قد يصل إلى نحو ثلاثة ملايين ملحد وما بين هذا التباين الكبير، الذى يصل لحد التناقض فى عدد الملحدين ما بين مصادر رسمية وأخرى غير رسمية، يظل السؤال المُلح: هل ثمة عوامل اجتماعية أو ثقافية تؤدى إلى ظهور الإلحاد وانتشاره، أم هو مجرد قناعة فكرية شخصية؛ «فرط ثقافة»، تولَّدت لدى فرد ما فى لحظة ما تأثرًا برأى ما أو قراءات فلسفية أطلقت عقال فكره لتحطيم أية حواجز أمامه لدرجة تبجيل العقل – والعقل فقط ورفض ما يخالفه؟
والإلحاد هو إنكار وجود الله وله أنواع، منها الإلحاد الصريح بإنكار وجود الإله ومنها الإلحاد الضمنى ويشمل هؤلاء ممَن لم تصلهم فكرة الإله أو لم يكوِّنوا موقفًا واضحًا إزاءه، ومنهم اللا أدرية، أى هؤلاء الذين يرون أن وجود الخالق غير معلوم أو غير مجزوم به، فهم لا يؤمنون ولكنهم كذلك لا ينكرون وكذلك تعددت التصنيفات الإلحادية ما بين إلحاد علمى يعتمد على تفسير نشأة الكون من منطلق علمى دون الاعتماد على فرضية وجود الإله وأخرى الإلحاد الوجودى الذى يرى أن الحياة بلا معنى وأن الإنسان هو الذى يصنع معنى الحياة.. إلخ
وقد تواجد الإلحاد –ما قد يدهش البعض- فى عصر الخلافة الإسلامية، إذ ثمة شخصيات شهيرة عُرف عنها الإلحاد، لعل أشهرهم ابن المقفع الذى كان يبطن شكوكه إزاء الأديان فى ترجماته، مثل كتاب «كليلة ودمنة» الذى قام بترجمته بنفسه عن الفارسية إلى العربية، والذى أبطن فيه أفكاره المتشككة عن الأديان ما أدى إلى اتهامه بالزندقة وكذلك أبوبكر الرازى الذى رغم إنجازاته العلمية فى الطب والكيمياء إلا أنه كانت له آراء فلسفية إلحادية أثارت انتقاد الكثيرين، وابن الراوندى وغيرهم كثيرون.
هذا قليل من كثير عن الإلحاد الذى أتناوله بقلمى كظاهرة لا بد من دراسة سبب نشوئها وكيفية مواجهتها والسبل المثلى لذلك حتى ننجح فى مقارعتها بالحجة والمنطق لا بالتعصب والتشدد والحنجورية التى لا طائل وراءها، وفق محكم الآية الكريمة «وادع إلى سبيل ربك بالموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن» وتبيان أن الإيمان لا يمثل نقيض العقل بل هو مكمل له، فتلك هى الوسيلة العلاج الناجع الذى قد يغيِّر قناعات صديق حميم تختلف معه، ليس فى مجرد أمر يتعلق بانتماء كروى أو رأى سياسى، بل قد تصل لإقناعه بأن يخوض رحلته الفكرية، كما خاضها من قبل د. مصطفى محمود من الشك إلى الإيمان.
 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق