السبحة سواء كانت عادية أم إلكترونية - آلة مُعِينة على الذكر، ووسيلة لضبط الأعداد التي دعت إليها الأحاديث الشريفة، فهي ليست بدعة كما يدَّعي من قلَّ فقهه في الدين، بل أُثِرَ عن كثير من السلف الصالح استعمال وسائل مختلفة لضبط أعداد الذكر، كالخيط المعقود، والحصى، وقد ألَّف الحافظ جلال الدين السيوطي رسالة لطيفة في مشروعية السبحة، سماها [المِنْحة في السبحة]!
وقال الدكتور العشماوي من علماء الازهر الشريف ان السبحة ليست من خصائص الصوفية بل هي عامة لكل مسلم؛ فإن المسلم مدعوٌّ إلى الإكثار من ذكر ، كما في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا)، وكما في قوله تعالى: (والذاكرين الله كثيرا والذاكرات)، والإكثار يقتضي العد، لا سيما في ما طُلب فيه والعدد والشريعة تتساهل في الوسائل المؤدية إلى المقاصد، ولا تحصرها في شكل، فبأي وسيلة حصل ضبط العدد فقد تحقق المقصود!
ولكن أيهما أفضل للمسلم؟ أن يظهر السبحة أم يخفيها؟
الحق أن كل عبادة يقوم بها المسلم؛ تحتاج إلى نية ، والنية هي المحدد للأعمال التي تَتَّحِدُ صورتها في الخارج جوازا ومنعا، وقبولا وردًّا، فبحسب النية يكون الحكم!
فإن كان قصد المسلم تذكير من يراه بالذكر، وإعانته عليه بالقدوة العملية، ولم يَخْشَ على نفسه الرياء؛ فهذا غرض شرعي صحيح، يجعل إظهار السبحة جائزا إن لم يكن مستحبا
وأنا شخصيا أغار كلما رأيت من يحمل سبحة ويلهج لسانه بذكر الله تعالى بها، فأذكر الله تعالى في الحال، فهذه نية صالحة إذا سَلِمَ صاحبها من الرياء.
وأما إن خاف على نفسه الرياء، أو كان يظهر السبحة ، ويعبث بها، ويطوحها يمينا وشمالا، يوهم الناس أنه يذكر؛ فهذا غرض فاسد، يجعل إظهار السبحة أمرا محظورا شرعا لِما فيه من الرياء المحرم، والاستخفاف بآلة العبادة!
وقد كان كثير من العلماء والصالحين يحملون السبحة في أكمامهم أو في جيوبهم، ويذكرون الله عليها، من غير أن يشعر بهم أحد، ولعلهم - لشدة مراقبتهم ومحاسبتهم لأنفسهم - خافوا على أنفسهم الرياء!
قال الحافظ السخاوي في كتابه: [الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر] "وكان - يعني شيخه الحافظ ابن حجر، أمير المؤمنين في الحديث - رحمه الله تعالي؛ إذا جلس مع الجماعة بعد العشاء وغيرها للمذاكرة؛ تكون السبحة تحت كمه، بحيث لا يراها أحد، ويستمر يُديرها وهو يسبح أو يذكر، غالب جلوسه، وربما سقطت من كمه، فيتأثر لذلك رغبه في إخفائه".
ولعل هذا التصرف يتحقق في السبحة الالكترونية أكثر من السبحة العادية؛ فإنه يمكن إخفاؤها في الكف بين الأصابع!
وما دأب عليه بعض المتصوفة من وضع السبحة في رقابهم كالعقد أو كالسلسلة، أو لفِّها على معاصمهم كالساعة أو كالسوار؛ إن كان للتباهي والزينة والرياء فحرام؛ فإن السبحة لم تُجعل لهذا، وإن كان لإمساكها حتى لا تضيع؛ فلا بأس، والأولى وضعها في الجيب أو في الحقيبة!


















0 تعليق