لطالما مثّلت المشاركات الدولية للمنتخبات الوطنية، في مختلف الفئات العمرية، مؤشرًا حقيقيًا على سلامة وقوة القاعدة الكروية في أي بلد. وفي الآونة الأخيرة، كانت مشاركة المنتخبات المصرية على كافة المستويات بمثابة صفعة مدوّية كشفت عن حجم الترهّل الذي استشرى في جسد كرة القدم المصرية، وفضحت زيف الأوهام التي سعى البعض لترويجها على مدى سنوات.
ولم تخرج المشاركة في البطولة العربية الأخيرة عن هذا السياق؛ بل كانت استمرارًا له. لقد مثّلت مشاركة باهتة للمنتخب المصري، وأعطت درسها الأوّل بوضوح: مستوى الصف الثاني من اللاعبين الذي يثير قلقًا بالغًا على مستقبل اللعبة بأكمله. فإذا كان هذا هو المخزون الاحتياطي المفترض الاعتماد عليه، فإن السؤال يصبح أكثر إلحاحًا حول وضع الصفوف التالية والأجيال القادمة. نحن أمام فجوة فنية عميقة لا يمكن لأي خطاب إعلامي تجميلها أو تغطيتها.
وعلى دكة القيادة.. كيف تتحول الخبرة إلى جمود.. مدربًا متقدّمًا في العمر، غير محدود الخبرة، ولكنه عمل بعناد شخصي ورفض استدعاء لاعبين مؤثرين بسبب خلافاته القديمة. واثبتت التجربة إنه لا يمكن قيادة المنتخب.
كما أسكتت النتائج أصوات بعض النجوم الذين اعتادوا الظهور الإعلامي أكثر من الظهور الحقيقي داخل الملعب؛ أسماء كبيرة بحجم ضجيجها، صغيرة بحجم عطائها.. لدرجة انه عاد يقدم برنامجه التلفزيوني وعلي وجهه المبالاة! بل وارسل سهامه بأنهم لا يفهمون الكرة؟ ولا ندري ماذا يقصد واي كرة يعني! اما مدرب لحراس المرمي والذي سبق وهرب من تدريب المنتخب المصري.. وخصيصاً تم استدعاء لهذه البطولة.. ليتم الاعلان عن نهاية “الانتماء".
ولم يكن المشهد خارج الملعب أقل بؤسًا: رياضة تُدار بين المحاكم، وبرامج الفضائح، يؤججون كل شرخ ممكن. في ظل هذا التلوث، من الطبيعي أن يكون المنتج النهائي ضعيفًا ومشوّهًا.
ويبقى اتحاد الكرة، الذي ظهر في هذه البطولة بلا قوة ولا رؤية، مجرد شاهد على انهيار منظومة كاملة، عاجزة عن ضبط الأندية أو حماية المنتخب من الفوضى.
البطولة العربية لم تُهِن الكرة المصرية.. بل حقيقتها كُشفت بلا رتوش. وكالعادة لن تبدأ عملية إصلاح حقيقية، وبالتالي ستظل كل بطولة جديدة درسًا قاسيًا آخر.. بلا أي تقدم.
أخيراً.. منذ 2010، والكرة المصرية حبيسة حلقة عبثية مقيتة؛ سقوط يعقبه صراخ، وصراخ ينتهي إلى لا شيء، ثم تتكرر الفضيحة في البطولة التالية. الفشل مقيم، والغضب موسمي، والنسيان سياسة غير معلنة. كل هزيمة تُستنزف في ضجيج إعلامي أجوف، بلا محاسبة، بلا شجاعة مراجعة، وبلا أي نية حقيقية للإصلاح. تمر الكوارث واحدة تلو الأخرى، فيما المنظومة تصر على العمى، وتعيد إنتاج أخطائها بوقاحة، كأن التاريخ لم يُكتب، وكأن الخسائر لم تكن كافية.


















0 تعليق