فضل الأشهر الحرم (ذو القعدة، ذو الحجة، المحرم، ورجب) يكمن في تعظيم حرماتها، حيث يُعظَّم فيها الظلم وتتضاعف فيه الحسنات والسيئات، ويُحرم فيها القتال، وتُضاعف فيها أجور الأعمال الصالحة، خاصة شهر المحرم الذي هو أفضل الشهور للصيام بعد رمضان، وشهر رجب الذي هو بداية مواسم الخير ومقدمة لرمضان، وتُشهد فيه أيام مباركة كـعشر ذي الحجة ويوم عاشوراء.
ويتحدث الشيخ رمضان عبد الرازق من علماء الا زهر الشريف وقال سُميت الأشهر الحرم (ذو القعدة، ذو الحجة، المحرم، ورجب) بهذا الاسم لأن الله تعالى حرم فيها القتال زيادة في حرمتها، وعظّم فيها الذنب، وأعظم الأجر فيها، لتتمكن الناس من أداء مناسك الحج والعمرة والتجارة بأمان، وتجنب الظلم والمعاصي فيها ليكون إثمها أعظم، كما قال تعالى: {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ}.
وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب، شهر مُضر، الذي بين جمادى وشعبان" .
وقوله: ورجب شهر مضر الذي بين جمادى وشعبان، لأن ربيعة كانوا يحرمون شهر رمضان ويسمونه رجباً، وكانت مضر تحرم رجباً نفسه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الذي بين جمادى وشعبان" تأكيداً وبياناً لصحة ما سارت عليه مُضر.
وأما مضاعفة الثواب والعقاب في هذه الأشهر، فقد صرح بها بعض أهل العلم استناداً لقوله تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) [التوبة:36] .
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) أي في هذه الأشهر المحرمة، لأنها آكد، وأبلغ في الإثم من غيرها، كما أن المعاصي في البلد الحرام تضاعف، لقوله تعالى: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ).
وكذلك الشهر الحرام تغلظ فيه الآثام، ولهذا تغلظ فيه الدية في مذهب الشافعي وطائفة كثيرة من العلماء، وكذا في حق من قَتل في الحرم أو قتل ذا محرم، ثم نقل عن قتادة قوله: إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزراً من الظلم في سواها، وإن كان الظلم على كل حال عظيماً، ولكن الله يعظم في أمره ما يشاء.
وقال القرطبي رحمه الله: لا تظلموا فيهن أنفسكم بارتكاب الذنوب، لأن الله سبحانه إذا عظم شيئاً من جهة واحدة صارت له حرمة واحدة، وإذا عظمه من جهتين أو جهات صارت حرمته متعددة فيضاعف فيه العقاب بالعمل السيء، كما يضاعف الثواب بالعمل الصالح، فإن من أطاع الله في الشهر الحرام في البلد الحرام ليس ثوابه ثواب من أطاعه في الشهر الحلال في البلد الحرام، ومن أطاعه في الشهر الحلال في البلد الحرام ليس ثوابه ثواب من أطاعه في شهر حلال في بلد حلال، وقد أشار الله إلى هذا بقوله: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً).


















0 تعليق