تعرضت فرنسا لهجوم إلكتروني واسع النطاق استهدف البريد الوطني الفرنسي «لا بوست» قبل أيام قليلة من أعياد الميلاد، ما تسبب في تعطيل كبير لخدمات توصيل الطرود وإرباك آلاف العملاء في توقيت بالغ الحساسية.
ووفقًا لما نقلته وكالة رويترز، أعلنت مجموعة قرصنة موالية لروسيا مسؤوليتها عن تنفيذ الهجوم، الذي صنف كأحد أبرز الهجمات السيبرانية التي تطال مؤسسة خدمية حيوية في أوروبا خلال الفترة الأخيرة.
الهجوم تم باستخدام أسلوب الحرمان من الخدمة الموزعة، المعروف اختصارًا بـ DDoS، وهو أحد أكثر أشكال الهجمات الإلكترونية شيوعًا، ويعتمد على إغراق الخوادم المستهدفة بكم هائل من الطلبات الوهمية، ما يؤدي إلى توقفها عن العمل بالكامل.
في حالة «لا بوست»، تسبب الهجوم في تعطيل الأنظمة المركزية للمؤسسة، الأمر الذي أدى إلى توقف تتبع الشحنات وتعطيل عمليات أساسية مرتبطة بتسليم الطرود في ذروة موسم التسوق.
وبحسب رويترز، فإن آثار الهجوم لم تكن قد زالت بالكامل حتى صباح الأربعاء التالي، حيث واجه العاملون في البريد صعوبات كبيرة في الوصول إلى أنظمة التتبع الرقمية.
ورغم أن خدمة الرسائل الورقية التقليدية لم تتأثر بشكل مباشر، فإن الطرود، التي تمثل الجزء الأكبر من نشاط البريد خلال موسم الأعياد، كانت الأكثر تضررًا.
كما امتد التأثير إلى «لا بانك بوستال»، الذراع المصرفية للبريد الفرنسي، حيث تعرضت المدفوعات الإلكترونية لبعض الاضطرابات، ما زاد من حجم القلق لدى العملاء.
المجموعة التي أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم تُعرف باسم Noname057، وهي مجموعة قرصنة ظهرت خلال السنوات الأخيرة وارتبط اسمها بسلسلة من الهجمات الإلكترونية ذات الطابع السياسي.
ورغم أن أنشطتها امتدت إلى أكثر من دولة حول العالم، فإن تركيزها الأساسي كان على أوكرانيا والدول الداعمة لها، سواء داخل الاتحاد الأوروبي أو خارجه.
ويأتي استهداف مؤسسة فرنسية كبرى مثل «لا بوست» ليعكس توسع نطاق عمليات هذه المجموعة وتزايد جرأتها في ضرب بنى تحتية مدنية وخدمية.
الهجوم على البريد الفرنسي أعاد إلى الواجهة مخاوف متزايدة بشأن أمن البنية التحتية الرقمية في أوروبا، خاصة في ظل التوترات الجيوسياسية المستمرة. فالمؤسسات الخدمية الكبرى، مثل البريد وشبكات الطاقة والمواصلات، أصبحت أهدافًا مغرية للهجمات السيبرانية، نظرًا لما يمثله تعطيلها من تأثير مباشر على حياة المواطنين والاقتصاد اليومي.
في هذا السياق، كانت وكالة الشرطة الأوروبية «يوروبول» قد أطلقت خلال الصيف الماضي عملية واسعة النطاق استهدفت تفكيك شبكات مرتبطة بمجموعة Noname057. العملية شملت تعاونًا بين عدة دول أوروبية، وهدفت إلى تعقب البنية التنظيمية للمجموعة وتعطيل أدواتها الرقمية.
كما شاركت وزارة العدل الأمريكية في إجراءات موازية ضد المجموعة نفسها، في إطار تنسيق دولي لمواجهة تصاعد الهجمات السيبرانية العابرة للحدود.
ويرى خبراء أمن المعلومات أن توقيت الهجوم لم يكن عشوائيًا، إذ جاء قبل أيام من عيد الميلاد، وهو ما ضاعف من حجم الضرر. ففي هذه الفترة من العام، تعتمد ملايين الأسر والشركات على خدمات التوصيل بشكل مكثف، وأي خلل في سلاسل الإمداد يمكن أن يؤدي إلى خسائر مالية وإرباك واسع النطاق.
ويؤكد هؤلاء الخبراء أن هجمات DDoS، رغم بساطتها التقنية مقارنة بأنواع أخرى من الهجمات، تظل فعالة للغاية عندما تُنفذ ضد أنظمة غير مستعدة لتحمل هذا الحجم من الضغط.
الهجوم يسلط الضوء أيضًا على التحديات التي تواجهها المؤسسات العامة في تحديث وتأمين بنيتها الرقمية. فعلى الرغم من الاستثمارات المتزايدة في الأمن السيبراني داخل الاتحاد الأوروبي، إلا أن الحوادث المتكررة تشير إلى وجود فجوات لا تزال بحاجة إلى معالجة، سواء على مستوى البنية التحتية أو خطط الاستجابة السريعة للأزمات.
وفي ظل تصاعد التهديدات، يتوقع مراقبون أن يدفع هذا الحادث السلطات الفرنسية والأوروبية إلى تسريع خطوات تعزيز الحماية الرقمية للمرافق الحيوية، وتشديد التعاون الدولي لملاحقة الجماعات المتورطة في الهجمات السيبرانية.
كما يعيد الحادث التأكيد على أن الصراعات الحديثة لم تعد تقتصر على ساحات القتال التقليدية، بل امتدت بقوة إلى الفضاء الرقمي، حيث يمكن لهجوم إلكتروني واحد أن يعطل حياة الملايين في لحظات.


















0 تعليق